ما هي التداعيات المتوقعة للعقوبات الأميركية على الوزيرين اللبنانيين؟

09 سبتمبر 2020
"حركة أمل" برئاسة بري: "وصلت الرسالة" (حسين بيضون)
+ الخط -

وضعت "حركة أمل"، بعد اجتماع طارئ عقدته، اليوم الأربعاء، برئاسة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية بحق وزير المال السابق علي حسن خليل، في خانة "استهداف لبنان وسيادته والخط والتنظيم السياسي الذي ينتمي إليه، وخط حركة أمل في الدفاع عن لبنان ووحدته، وطناً نهائياً لجميع أبنائه".

وشددت الحركة، في بيان، على أنّ هذا القرار "لن يغيّر من قناعاتنا، ومن ثوابتنا الوطنية والقومية على الإطلاق، وإن حدودنا وحقوقنا السيادية في البحر والبر نريدها كاملة ولن نتنازل أو نساوم عليها مهما بلغت العقوبات والضغوطات من أي جهة كانت".

وكشفت أنّ "اتفاق السير بترسيم الحدود البحرية في الجنوب اللبناني اكتمل مع الولايات المتحدة الأميركية، ووافقت عليه بتاريخ 9/7/2020، وحتى الآن ترفض توقيت إعلانه من دون أي مبرر".

وقالت "حركة أمل"، إنّ "فرمان" وزارة الخزانة الأميركية، "الذي جاء بتوقيت كان فيه اللبنانيون بغالبية قواهم السياسية والبرلمانية قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى حكومة جامعة يعوَّل عليها أن تعمل على إخراج لبنان من أزماته، فهل هذا القرار هو للقول لنا إن الذي يدفعنا هو "أحرف الجر؟"، مخطئ من يعتقد ذلك".

وتوجّهت الحركة اللبنانية إلى الأميركيين بالقول: "أنتم مخطئون في العنوان وفي الزمان وفي المكان، ولكن وصلت الرسالة".

حركة أمل لواشنطن: أنتم مخطئون في العنوان وفي الزمان وفي المكان ولكن وصلت الرسالة

وبالتزامن مع فرض الخزانة الأميركية عقوبات على وزيرين لبنانيين سابقين، هما علي حسين خليل، وهو أيضاً مستشار الرئيس بري، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، الذي ينتمي إلى "تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية الحليف الأقرب إلى "حزب الله" والمرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية، أعرب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، عن اعتقاده بقرب التوصل إلى اتفاق إطار بشأن ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل.

وأضاف الوزير الذي قاطع السياسيين في زيارته الأخيرة للبنان واكتفى بلقاء مجموعات من المجتمع المدني، والنواب الذين تقدّموا باستقالاتهم، يوم الثلاثاء في مؤتمر عبر الهاتف مع صحافيين، أوردت تفاصيله الخارجية الأميركية، في بيان عبر موقعها الإلكتروني: "نقترب من الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية والبرية، ولا أريد الخوض في الأمور العالقة. أمضى سفيرنا في أنقرة والدبلوماسي ديفيد ساترفيلد عاماً وهو يسافر بين لبنان وإسرائيل ليحاول التوصل إلى اتفاق بشأن إطار العمل، أي اتفاق يحدد إطار العمل للبدء بالمفاوضات على الحدود، وأعتقد أن إطار العمل هذا مهم، ولكن كان ينبغي استكماله منذ وقت طويل".

وأضاف:" أرى أننا نقترب من مرحلة إنهائه كما ذكرت، ما سيتيح للبنان وإسرائيل البدء بإحراز تقدم فعلي. لكنني لن أناقش تفاصيل العراقيل، وآمل زيارة لبنان والتوقيع على هذا الاتفاق في الأسابيع المقبلة".

وتأتي العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين لدعمهما "حزب الله" والانخراط في الفساد والتآمر على حساب الشعب اللبناني، في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية حراكاً سياسياً لتأليف حكومة جديدة قبل انتهاء مهلة الخمسة عشر يوماً منذ تكليف مصطفى أديب في 13 أغسطس/ آب الماضي، تنال "رضى" فرنسا والمجتمع الدولي وثقة الشعب اللبناني، وتجنّب الطبقة الحاكمة مقصلة العقوبات التي لوّح باستخدامها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الثانية لبيروت في حال عدم تنفيذ القوى السياسية لتعهّداتها الإصلاحية خلال مدة لا تتجاوز ثمانية أسابيع.

وبينما لا يزال الخلاف على الوزارات قائماً بين الأفرقاء، أتت العقوبات الأميركية، أمس الثلاثاء، لتطاول مباشرة حسن خليل، وفنيانوس، في رسالة وجّهت هذه المرّة إلى رئيس البرلمان الممسك بملف ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي، وسليمان فرنجية، وكلّ من يتعامل مع "حزب الله" ويمسك بزمام القرارات اللبنانية، ومن ضمنها الحكومية.

خطوة سياسية

وفي وقتٍ رفض فيه حسن خليل الإجابة والتعليق على العقوبات الأميركية بحقه، وأقفل فنيانوس هاتفه الخلوي، ردّ رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية على العقوبات الأميركية بحق وزير الأشغال السابق وأقرب المقرّبين إليه يوسف فنيانوس، واضعاً إياها في خانة القرار السياسي، الذي "يزيدنا تمسّكاً بنهجنا وخطّنا".

وقال فرنجية في بيان: "إن القرار الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق فنيانوس هو قرار اقتصاص لموقفه وقناعاته وموقعه، ونحن كمردة لم ولن نخجل يوماً بمواقفنا، بل نفتخر ونجاهر بها من منطلق إيماننا بأرضنا وسيادتنا وهويتنا".

 

وأكد مصدرٌ في "تيار المردة" بالقول، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العقوبات لا تخيفنا، والولايات المتحدة دائماً ما توجه سهامها إلى فريق الثامن من آذار لا غير، علماً أنّ هناك شبهات كثيرة على سياسيين في مختلف الأحزاب اللبنانية لم تطاولها أي عقوبة، ومع ذلك، فإنّ رئيس تيار المردة لم يستحِ يوماً من علاقته مع حزب الله وسورية، وهو يتحدث علناً عن حلفائه السياسيين والمشروع الذي يجمعهم واستعداده لمواجهة أي عقوبة أو نتيجة لهذا التحالف، وهو يعلم جيداً أنّ الخطوة سياسية بامتياز، وتأتي تكملة للحصار الأميركي على الحزب، وفنيانوس لم يشارك بأي صفقة على حساب اللبنانيين".

في القانون، يقول المحامي جميل مراد، لـ"العربي الجديد"، إنّ العقوبات التي تضعها الخزانة الأميركية "هي شأنٌ داخليٌّ، وفي المبدأ القانوني العام وكونها صادرة عن بلد لا يلزم إلا نفسه، فإنّ القضاء اللبناني ليس ملزماً في التحرك بموجبها، ولكن تبعاً لقوة الولايات المتحدة وتأثيرها بدول الخارج، فإنّ هذه العقوبات تجعل القطاع الخاص، مصرفياً أو شركات، يمتنع عن التعامل مع أي شخص موجود على لائحة "أوفاك" السوداء، خشيةً من أن تشملهم العقوبات".

وأضاف: "بالتالي، إنّ الضرر معنوي نسبة إلى التشهير بالوزيرين، بملفات فساد وغيرها، ومادي لجهة عدم تمكّنهم بعد اليوم من التعاقد مع أشخاص عالميين".

ويوضح مراد أنّ "الوزيرين السابقين يمكن أن يحاكما أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء إذا وجد القضاء أي شبهة عليهما، بحيث يخابر مجلس النواب الذي عليه أن يتهمهما بالثلثين من أعضائه، وإلا فلا يصار إلى محاكمتهما".

وحذّرت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها، أمس الثلاثاء، من تداعيات العقوبات التي طاولت أكثر من تسعين فرداً وكياناً تابعين لـ"حزب الله" منذ عام 2017، وحظرت تعامل أي شخص أميركي أو يعيش داخل الولايات المتحدة بأي نوع من الخدمات المالية مع الوزيرين السابقين.

وتسعى الولايات المتحدة، سواء من خلال قانون "ماغنيتسكي"، أو قانون "قيصر"، وغيرهما إلى أن تزيد الخناق على "حزب الله" وكل من يتعامل معه، ويصبّ في دائرته، ومن المتوقع أنّ تصدر لائحة عقوبات جديدة قريباً تشمل شخصيات سياسية لبنانية تدور في فلك "حزب الله"، في ظلّ الحديث عن أنّ العقوبات ستطاول سياسيين في "التيار الوطني الحر" قبل أن تتجه مباشرة إلى رئيسه، النائب وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل.

وتشمل العقوبات الأميركية التي أعلنت، أمس الثلاثاء، للمرة الأولى شخصاً من الطائفة المسيحية مقرّباً من "حزب الله"، من ناحية الشخصيات السياسية، علماً أنّه سبقتها عقوبات فرضت على طوني صعب، وهو رجل أعمال يعدّ من المقرّبين إلى رئيس "التيار الوطني الحر" الذي يعدّ من الأشخاص الذين دائماً ما تطرح أسماؤهم بوضعهم على لائحة العقوبات، نظراً إلى علاقته مع "حزب الله".

واللافت أنّ الخزانة الأميركية، رغم العقوبات التي تفرضها على شخصيات لبنانية في شتّى المجالات، لا تزال تستبعد عن لوائحها القيادات السياسية من الصف الأول، وتكتفي حالياً بشخصيات ضمن فلكهم.