ما بعد كورونا

18 يونيو 2020
الحياة تعود إلى طبيعتها شيئاً فشيئاً (سيرغي فاديشيف/ Getty)
+ الخط -

أحد لم يعد يكترث لأرقام الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في لبنان. عشرون، أقل أو أكثر، لا يهمّ. ولا نتوقّع تغيّرات إضافية في حياتنا. مجرّد أرقام للتوثيق وعلاج المرضى، أو التأكيد على دور وزارة الصحة والحكومة في احتواء الفيروس. وتلك الإجراءات الوقائيّة المفروضة على المقاهي أو المطاعم أو الحانات وغيرها، كقياس درجة حرارة الزبائن، تبدو لزوم ما لا يلزم في ظل قلّة الالتزام بالتباعد الاجتماعي أو وضع الكمامات

قبل أيام، لم يكن مقبولاً ظهور الناس بلا كمامات في الأماكن المغلقة. لكنّ الناس أنفسهم تناسوا أن كورونا كان موجوداً قبل قليل، وأن التباعد الاجتماعي لم يكن خياراً. بل تراهم يتعانقون تعويضاً عن كلّ ما فاتهم.

الحياة من حولهم تبدو بعيدة. في جلساتهم، يتحدثون عن الأزمات المعيشية والغلاء وقطع الطرقات وكورونا وما إلى ذلك، لكنّ بعضهم خلق تباعداً اجتماعياً مع كلّ تلك الأحداث، بما لا يبدو استسلاماً للواقع، بل عزلاً إضافياً عن عزلة سابقة مع الفيروس، وأحداث لم ولن تنتهي.

وعلى الرغم من أزمة الدولار والغلاء الفاحش، يبدو أن الناس في لبنان أكثر ميلاً إلى التأقلم. وهناك قدرة دائمة على تحديد أولويات جديدة. وتأتي مساعدات من هنا وهناك. هكذا نعيش، طالما أن لدينا مساحتنا لنتحرّك قليلاً. ولكلّ منّا مساحات قليلة عامة تشعره أنه ما زال على قيد الحياة. لذلك، كان كورونا قاسياً. لم يعزلنا في بيوتنا فحسب، بل بين كل تلك الأزمات، من دون أن نكون قادرين على التنفس. وكأن كلّ شيء بالنسبة إلى الناس بات أكثر صعوبة من كورونا.

المشاكل مجتمعة تلاحق الناس سواء وضعوا كمامات أو لم يضعوها، بل إن الكمامات تحجب عنهم القليل من الأحلام بالخلاص. والأحلام قد تكون كافية لبعض الوقت. كورونا لم يعد خطراً، حتى لو كنّا على موعد مع موجة ثانية. على الأقل، تخلّص كثيرون من هلعٍ سيطر على حياتهم لبعض الوقت، وسط الكثير من المسببات الأخرى.



أرقام الإصابات تمرّ سريعاً على الشاشات. ليس لأنّنا نجونا، بل لأنّ الناس قرروا النجاة بأنفسهم من واقع أكثر صعوبة. والفضل قد يكون لكورونا أيضاً. فبينما كنّا نسير ضمن إيقاع ثابت تتخلّله تغيّرات بسيطة، فرض علينا غريب إيقاعاً مختلفاً تماماً. وبعد كل هذا الوقت، ثمّة ما تغيّر في حياتنا. مساحاتنا؟ أولوياتنا؟ وأشياء أخرى. ولم يعد كورونا ذلك الغريب الذي جاء إلى كوكبنا لندافع عن أنفسنا قبل أن يغدر بنا، بل تحوّل إلى عنصرٍ ساعدنا على التقرّب من أنفسنا وتعديل أولوياتنا بما يتلاءم مع الواقع المعيشي الحالي.
المساهمون