ما بعد تبرئة قاتل أبو عين: الحل بالمحاكم الدولية

10 يناير 2015
أبو عين استشهد جراء اعتداء إسرائيلي (عباس مومني/فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن مفاجئاً أن يبرئ التحقيق الإسرائيلي في استشهاد الوزير الفلسطيني زياد أبو عين، الجندي الإسرائيلي الذي أقدم على خنق أبو عين ما أدى لاستشهاده، لكن المفاجئ كان الصمت الذي التزمه المستوى الرسمي الفلسطيني.

ويؤكد خبراء القانون الفلسطينيون أن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي نيتسان ألون، وهو منصب عسكري إسرائيلي، قام بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في مقتل أبو عين في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2014، أكد فيه أن الجيش لم يخطئ التصرف مع أبو عين، وأن الجنود تصرفوا كما طلبت منهم القيادة، واستبعدت اللجنة قيام الجنود بأي أخطاء.

ويعتبر هؤلاء الخبراء أن التحقيق بمثابة "ذر رماد في العيون"، وأن قائد المنطقة الوسطى ترك الباب موارباً أمام تحقيق آخر للشرطة العسكرية، في حال لم يمر تقرير هذه اللجنة بهدوء لدى الفلسطينيين.

في المقابل، تكشف معطيات من النيابة العامة الفلسطينية لـ "العربي الجديد"، أن التحقيق الفلسطيني في استشهاد أبو عين قد شارف على الانتهاء، بعد قيام طاقم من النيابة بجمع الأدلة والقرائن والاستماع لشهود العيان، لكن الخطوة المقبلة مرهونة بالمستوى السياسي الفلسطيني.

وتبقى السيناريوهات المطروحة بعد التحقيق الإسرائيلي "الشكلي" الذي برأ المجرم، محدودة جداً، بحسب الخبراء الفلسطينيين، وتنحصر في رفع قضية أمام المحاكم الإسرائيلية ضد الجندي القاتل، لكن التاريخ الطويل لتواطؤ قانون الاحتلال مع جنوده لم يعد خياراً لدى الفلسطينيين الذين يعرفون مسبقاً نتائج هذه المحاكم.

ولكن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية تذهب نحو سيناريو آخر، وإن كان رمزياً لكنه يحمل في ثناياه رسائل سياسية وقانونية كبيرة، ويتلخص بمحاكمة الجندي القاتل أمام المحاكم الفلسطينية.

أما الخيار الثالث والذي يحتاج إلى وقت أطول، فهو تجهيز ملف أبو عين ليكون ضمن الملفات القانونية لتقوم السلطة الفلسطينية بتقديمها أمام المحاكم الدولية وتحديداً المحكمة الجنائية الدولية.

وفي قراءة سريعة لهذه الخيارات وإمكانية تطبيقها على الأرض، يظهر أن الارتباك الفلسطيني وعدم التخطيط، من جهة، وعدم قدرة السلطة على الرد السياسي من جهة أخرى، يزيدان من إمكانية أن يكون مصير هذه الجريمة الإسرائيلية مثل مئات الجرائم التي سبقتها، أي الإفلات من العقوبة، وبقاء الملف في درج مغلق.

وفي حين ترفض عائلة أبو عين اللجوء للمحاكم الإسرائيلية، ولا تعترف بها لأنها جزء من الكيان الإجرامي الاحتلالي الذي لن يُحاكم نفسه، تعلّق العائلة آمالاً على خطوة قانونية دولية.

ويقول طارق نجل الشهيد أبو عين لـ "العربي الجديد" إن "الملف بأكمله عند الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وستكون هناك خطوة قانونية دولية قريبة جداً".

من جهته، يؤكد رئيس نيابة رام الله أحمد حنون لـ "العربي الجديد"، أن "النيابة شارفت على الانتهاء من التحقيق، إذ تم جمع كل الأدلة والبيّنات من مسرح الجريمة، وأخذ إفادات الشهود، وجمع كل مواد التصوير والفيديو من وسائل الإعلام عبر أمر من النيابة إلى وزارة الإعلام الفلسطينية، فضلا عن تقرير تشريح الطب العدلي".

ويكشف حنون أن "نتائج التشريح أثبتت أن سبب استشهاد أبو عين هو الخنق بسبب الكرب أو الشدة، وقد شارك في التشريح أطباء من الأردن وطبيب إسرائيلي، وافق حينها على نتائج التحقيق".

وكان الطبيب الإسرائيلي الذي شارك في التحقيق قد رفض التوقيع على تقرير التشريح بسبب عدم وجود نسخة باللغة العبرية من تقرير اللجنة التي كان أحد أعضائها.

وحول الخطوة المقبلة، يقول حنون إنها "لدى المستوى السياسي الفلسطيني الذي هو من يقررها".

ويستبعد أي إمكانية لمحاكمة الجندي الإسرائيلي أمام المحاكم الفلسطينية، على الرغم من أن الجريمة حدثت على أرض فلسطينية وكان ضحيتها فلسطينيا.

وفي السياق نفسه، يقول مصدر قضائي فلسطيني لـ "العربي الجديد"، إن "القضاء الفلسطيني لا يستطيع أن يحاكم فلسطينياً يحمل هوية القدس في حال مخالفته القانون، فكيف إذاً سيحاسب جندي إسرائيلي، هذا أمر مستحيل".

أما مدير مؤسسة "الحق" شعوان جبارين، فيؤكد ضرورة قيام السلطة بالرد بخطوات قوية وحازمة بعد استشهاد أبو عين، مشدداً في حديث لـ "العربي الجديد" على أن الرد الفلسطيني على التحقيق الإسرائيلي "يجب أن يكون بوقف التنسيق الأمني مع الأمن الإسرائيلي".

ويقول جبارين إنه يجب "محاكمة الجندي الإسرائيلي أمام محاكم فلسطينية، فلدينا كل الإثباتات والمعطيات، ولا بد من محاكمته ولو في خطوة رمزية ترفع التعتيم الإعلامي الإسرائيلي عن المجرم، وتكون سابقة تمهد لمحاكمات أخرى مستقبلاً"، مشدداً على أن "القضاء الإسرائيلي لن يتعاطى مع أي قضية ضد أمنه، ومقدار تفاعله معروف لدينا من التجارب السابقة، وهو صفر".

وبحسب جبارين، "فبالإمكان محاكمة الجندي القاتل بالأدلة التي تملكها النيابة الفلسطينية، وإطلاع الأوروبيين والولايات المتحدة والمؤسسات القانونية الدولية على نتائج المحاكمة، والمطالبة بتنفيذ الحكم بالقاتل".

أما رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، فيؤكد في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن "تقديم ملف الشهيد أبو عين أمام المحاكم الإسرائيلية يقطع الطريق علينا نحو التوجه للمحاكم الدولية".

ويشدد فارس على أن المطلوب حالياً هو تشكيل هيئة وطنية مختصة تقوم بترتيب جميع الملفات التي تُعتبر شواهد وإثباتات على جرائم الاحتلال، وتحديد الأولويات، ومنها قضية الوزير أبو عين، تمهيداً لتقديمها إلى المحاكم الدولية.

ويشير فارس إلى أن "ذهاب أي مؤسسة حقوقية بقضية أبو عين بشكل منفرد وغير معد بشكل جيد للمحكمة الجنائية، سيكون لها أضرار، لهذا هناك أهمية فائقة أن يقوم عباس بتشكيل مثل هذه اللجنة سريعاً، مع ضرورة أن تكون هذه اللجنة تابعة لدائرة قانونية في منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي للفلسطينيين".