ما بعد أستانة: خشية من تحركات النظام السوري و"الجبهة الجنوبية" مرتاحة

07 يوليو 2017
جولة أستانة لم تكن كما أرادت المعارضة(ستانيسلاف فيليبوف/فرانس برس)
+ الخط -
يسود حذر في الشارع السوري بعد فشل اجتماعات أستانة، ترقباً لما ستؤول إليه التطورات خلال الفترة المقبلة، وسط مخاوف من عدم صمود اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، سواء من قبل النظام الذي لا يزال يحاول السيطرة على عدد من المواقع الاستراتيجية وتثبيتها قبل اعتماد الخرائط النهائية لـ"مناطق وقف التصعيد"، أو من قبل بعض الفصائل التي أعلنت أنها غير معنية باجتماعات أستانة، في الوقت الذي عكست فيه اجتماعات أستانة 5 الخلافات بين الدول الضامنة والدول المشاركة حول الملف السوري.

فقد انتهى اللقاء الخامس في أستانة من دون أن ينتج عنه أي تقدّم يُذكر بما يخص تثبيت خرائط خطوط الاشتباك، خصوصاً ترسيم المنطقة الشمالية، في ظل المخاوف التركية من القوى الكردية التي تشكل جزءاً رئيسياً من "قوات سورية الديمقراطية". في حين تبرز في الجنوب مشكلة وجود المليشيات الإيرانية على مقربة من الحدود الأردنية والمناطق المحتلة من قبل إسرائيل. وطالب الأردن بأن تتراجع تلك المليشيات عن طول الحدود مسافة 30 كيلومتراً في عمق الأراضي السورية، الأمر الذي يشمل محافظة السويداء المجاورة لدرعا من الجهة الشرقية والخاضعة لسيطرة قوات النظام، وهذه تشكل عقدة تضاف إلى الملف الجنوبي.
وقال رئيس وفد المعارضة إلى أستانة 5، العميد أحمد بري لـ"العربي الجديد"، إن هذه الجولة "لم تكن كما كنا نرجو منها لجهة إطلاق سراح المعتقلين وتثبيت وقف إطلاق النار بشكل كامل"، وعزا سبب فشل المفاوضات إلى تعنّت النظام وخوفه من خروج المعتقلين وذهابهم إلى المحاكم الدولية.

فيما عزا النقيب سعيد نقرش، أحد قادة لواء "شهداء الإسلام" الذي شارك في الجولات السابقة في أستانة، سبب فشل الجولة إلى وجود الروس والإيرانيين الذين فُرضوا كأطراف ضامنة، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "روسيا وإيران لهما مطامع استعمارية في سورية وهما شريكتان للنظام وبالتالي لا يمكن أن تحققا أي شيء فيه مصلحة للشعب السوري"، معتبراً أن "كل ما تحقق من الجولات السابقة هو تخفيف معدل الإجرام الذي كان يرتكبه الروس بحق الشعب السوري، بينما استمر الإيرانيون بجلب المرتزقة والحشد الطائفي لاحتلال المدن السورية".

كذلك أكد مصدر عسكري حضر اجتماعات أستانة 5، لـ"العربي الجديد"، أن الخلاف الأساسي في الاجتماع الأخير كان حول المنطقة الأولى أي شمال سورية، موضحاً أن الخلاف كان روسياً-تركياً حول منطقة عفرين التي طالبت تركيا بضمها إلى مناطق تخفيف التصعيد بعد طرد "وحدات حماية الشعب" منها، الأمر الذي لاقى اعتراضاً روسياً، لافتاً إلى "أننا لمسنا حرصاً روسياً على عدم تصعيد الخلاف مع الأتراك، فتم ترحيل الخلاف على هذه النقطة". وأضاف المصدر أن القضية الأخرى التي تسبّبت بفشل الاجتماع هي رفض النظام بحث ملف المعتقلين.

وفي ما يخص المرحلة المقبلة إلى حين عقد اجتماع أستانة المقبل، أكد عضو "الجبهة الجنوبية" والمتحدث باسم وفد المعارضة في أستانة 5، أيمن العاسمي، في حديث لـ"العربي الجديد" أن هناك لجاناً مختصة لتحديد مناطق النفوذ ورسم الخرائط، مضيفاً: "هناك أمر هام يجب الانتباه له وهو فصل الجنوب عن سورية وهو ما يخطط له الأميركيون"، محذراً من هذا المخطط الذي هو من الأخطر حالياً.


في المقابل، تنظر فصائل "الجبهة الجنوبية" إلى فشل اجتماعات أستانة 5 بإيجابية. ونفى المتحدث باسم "الجبهة الجنوبية" عصام الريس، وجود ضغوط أو تدخّلات منعت "الجبهة" من المشاركة في أستانة 5. وقال إن "قرار المقاطعة اتُخذ من قبل الفصائل من دون إملاءات، وهدف إفشال الاجتماعات تحقق جراء مقاطعتنا"، معتبراً أن "اجتماعات أستانة باتت شكلاً من أشكال العبث نتيجة عدم التزام قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معها بأي من مقررات الاجتماعات". كما انتقد تعامل الإدارة الأميركية مع الملف السوري، مشيراً إلى أن كل الفصائل المعارضة بشقيها السياسي والعسكري، تشعر بالخذلان نتيجة للسياسة الأميركية.
المكتب الإعلامي لقوات "الشهيد أحمد العبدو"، أكد كذلك، في رده على أسئلة "العربي الجديد"، أن إفشال الاجتماعات من خلال مقاطعتها جاء بعد أن تأكد استحالة تعليق الآمال على التوصيات التي ستخرج عنها. وقال: "كفصائل جبهة جنوبية لم تتم إعاقتنا من المشاركة، نحن من أعقنا استكمال مشروع أستانة"، مضيفاً: "الجبهة الجنوبية بشقيها السياسي والعسكري رفضت المشاركة في المشروع لأنه يمنح إيران والمليشيات الطائفية ترخيصاً لاحتلال سورية".
من جهته، جدد المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، التأكيد على حضور بلاده لاجتماعات أستانة بصفة مراقب، مضيفاً: "نحن أصحاب مصلحة بأن يعم الأمن والاستقرار في سورية، والأردن معني بوقف التصعيد في كل سورية وليس مناطق محددة".

ولعل السبب الأبرز في فشل أستانة 5 هو تضارب أولويات الدول المتدخلة في الشأن السوري وخصوصاً الولايات المتحدة وروسيا، إذ لم تكن العلاقات الأميركية الروسية خلال الأسابيع الأخيرة على المستوى الذي قد يفضي لاتفاق، فقد كان هناك الكثير من التشنج وصل إلى حد تعليق العمل بمذكرة التفاهم التي تضمن سلامة حركة الطيران الحربي في الأجواء السورية.
ولكن سرعان ما عاد الأميركيون لإحياء الحديث عن المناطق الآمنة وحظر الطيران بموافقة روسية بعد انتهاء أستانة، وذلك على لسان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الذي قال إن الولايات المتحدة مستعدة لأن تبحث مع روسيا الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار في سورية بما في ذلك إقامة مناطق حظر جوي. وتحدث تيلرسون عن التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في إقامة مناطق عدم التصعيد في سورية، وقال إنها دليل "على أن بلدينا قادران على إحراز مزيد من التقدّم"، لافتا في الوقت ذاته إلى إن "روسيا ملزمة بمنع استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية".

من جهة أخرى، يسود تخوّف لدى سكان مناطق سيطرة المعارضة من أن يستغل النظام فشل الاتفاق على خرائط "مناطق وقف التصعيد"، ويخرق الهدنة في محاولة منه لتثبيت بعض المناطق الاستراتيجية له، في محيط دمشق كجوبر وبعض مناطق شرق دمشق، بالإضافة إلى قضم بعض مناطق المعارضة في الشمال، ما قد يتسبب بعودة القتل في صفوف المدنيين، الذين يخشون أيضاً من أن يقوم النظام بافتعال بعض التفجيرات في مناطق المعارضة.