ماوريسيو ماكري رئيساً للأرجنتين... هل يتمدّد دومينو اليمين اللاتيني؟

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".
25 نوفمبر 2015
DC5DF4AC-D7DD-4F22-B6CD-378D643DB406
+ الخط -
في التاريخ لا شيء يستمر أو يدوم. في الأرجنتين، وأميركا اللاتينية كذلك. لم يستمرّ حكم آل كيرشنر الطويل، ففوز ماوريسيو ماكري، برئاسة البلاد، يوم الأحد، يحمل في طيّاته الكثير من الأسئلة المستقبلية، ومنها ما يتعلق بدور الأرجنتين، ثاني أكبر دولة في جنوبي القارة، تجاه محيطها اللاتيني.

يُمكن لكريستينا كيرشنر أن تخلي الساحة بعد ثمانية أعوام، سعت خلالها لمتابعة عهد زوجها الراحل نستور (2003 ـ 2007). فشلت أحياناً ونجحت أحياناً أخرى، لكنها تركت بصمة مهمة في الأرجنتين، التي خرجت ببطء من إفلاس عام 2002. فعلياً، قد يكون انحسار اليسار الأميركي الجنوبي في السلطة، قد بدأ بعد وفاة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، مصاباً بمرض السرطان، في عام 2013.

كانت شخصية تشافيز الشعبوية، مصدر حراك يساري شامل في أميركا اللاتينية. سمحت بوصول شخصيات مثل إيفو موراليس في بوليفيا، وديلما روسيف في البرازيل، وآل كيرشنر في الأرجنتين. استمدّ قوته من حاجة شعوب تلك البلدان إلى قائدٍ من صفوفها، وإلى معاداته الولايات المتحدة. لكن ليس تشافيز وحده من ساهم بنهضة اليسار في العقل الجماعي لشعوب تؤمن بأفكار إرنستو تشي غيفارا، إذ عزّز وصول الأسقف الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوغليو إلى سدة البابوية في الفاتيكان، وحمله اسم البابا فرنسيس، آمال "اليسار المسيحي" المتجلّي في "لاهوت التحرير".

كل ذلك لم يستمرّ طويلاً. الولايات المتحدة باتت جارة مرغوبة في كوبا. الأزمات الاقتصادية أقوى من أحلام اليسار. روسيف تهتز في البرازيل. موراليس اختفى لفترة طويلة بعد غياب تشافيز. خليفة تشافيز، نيكولاس مادورو، يعاني في أحلافه الدولية والإقليمية. وسط كل هذا، خرج الرئيس الأرجنتيني الجديد ماكري، من صفوف الليبراليين القدامى، ليُعلن للشعب الأرجنتيني وعوداً اقتصادية، تُنجده من الضيق الذي يتخبّط فيه. عهد كيرشنر كان مثمراً للأرجنتينيين، لكنه غير كافٍ، لأن فترة الانتظار للانتقال إلى المستوى التالي من رفاهية الحياة، طالت بالنسبة لبلادٍ تعشق العطل والبحر على حساب العمل.

تاريخ ماكري معظمه رياضي، على الرغم من ترؤسه بلدية العاصمة بوينس أيرس من عام 2007 وحتى نجاحه الرئاسي. الرئيس الـ53 للأرجنتين، كان رئيساً لأبرز الأندية الأرجنتينية والعالمية: بوكا جونيورز. قاد النادي في عهده (1996 ـ 2007)، إلى إنجازات قلّ نظيرها. ولمَن يعرف أميركا اللاتينية والأرجنتين تحديداً، يُدرك أهمية كرة القدم في البلاد، وارتباطها جذرياً بالوجدان الجماعي للشعب. استند ماكري إلى نجاحاته الكروية، وإلى صداقته مع أسطورة كرة القدم دييغو مارادونا، لتعبيد طريقه الرئاسي، وفق برنامج قد يتيح للمحافظين السيطرة لفترة طويلة، أو يسقطون عند أول مفترق.

ماكري، المهندس، الذي فاز بالدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وذلك للمرة الأولى في الأرجنتين منذ فترة طويلة، يُدرك أنه أمام تحدٍ كبير، له ولحزبه "الاقتراح الجمهوري". أمامه عوائق عدة، تبدأ من التضخم المالي الذي بلغ نسبة 30 في المائة، وسط استحواذ قطاع الطاقة والنقل على 20 في المائة سنوياً من الدعم الحكومي في الإنفاق العام. كما أن مجموعة من الدائنين الأرجنتينيين يطالبون الحكومة بـ1.5 مليار دولار. وتُعرقل هذه المدفوعات البلاد عن تمويل نفسها.

في هذا الصدد، يقول أحد الاقتصاديين، باتريسيو غوستو، إنه "بفضل هذا الخلاف مع الدائنين المحليين، ستتمكن الأرجنتين من تلقي التمويل الأجنبي مجدداً، وسيكون من الممكن دخول استثمارات جديدة في البلاد"، وهو ما تحتاج إليه البلاد لتخطي عقبات سوق "ميركوسور" (السوق الأميركية اللاتينية المشتركة) وإجراءاتها البيروقراطية، نحو أفق أوسع.

ينوي ماكري إنهاء التدابير الحمائية، سواء بإلغاء الضرائب على تصدير الحبوب، أو إلغاء إجراءات مراقبة الحصول على القطع الأجنبي، التي شكّلت عماد النمو الارجنتيني في سنوات ما بعد الإفلاس، علی يد آل كيرشنر. ولتحقيق هذا الأمر لا بدّ لماكري وحزبه وتحالف "كامبيموس" (التغيير)، من إقامة تحالفات في صفوف البرلمان، حيث يشكل أنصار "الحركة البيرونية" الأكثرية النيابية.

من الطبيعي في هذا السياق، أن ينعكس فوز اليمين الأرجنتيني علی الجارة البرازيل، والتي يضغط شعبها بقوة علی الرئيسة روسيف، بفعل فضيحة شركة "بتروبراس" النفطية الوطنية، والتي ترأس روسيف مجلس إدارتها، بحكم كونها رئيسة البلاد. وأظهرت الفضيحة تورط شركاء كثر فيها في عمليات تبييض أموال وتحقيق أرباح خيالية من تعهّدات بناء بعض المنشآت، وأبرزها ملاعب كرة القدم لكأس العالم 2014، التي جرت في البرازيل.

بالتأكيد، إن تداعيات فوز ماكري لن تقف عند حدود البرازيل التي تجري انتخاباتها، مبدئياً، في عام 2018، ما لم يُطح روسيف قبلاً. وقد تصل إلى قلب فنزويلا، لتدعم المعارضة معنوياً في معركتها مع مادورو، في انتخابات الرئاسة 2018. وعدا روسيف ومادورو، فإن موراليس في بوليفيا، تنتظره انتخابات رئاسية في عام 2019، وخوان مانويل سانتوس في كولومبيا في عام 2018، ورافايل كوريّا في الإكوادور في عام 2017، وأويّانتا هومالا في البيرو، في عام 2016، وهوراسيو كارتيس في الباراغواي في عام 2018، وتاباريه فاسكيز في الأوروغواي في عام 2019، وميشيل باشيليه في تشيلي في عام 2017. وحدهما الرئيسين الكولومبي والباراغوياني يمينيان، وباقي الرؤساء هم يساريو الهوى.

قد تسمح التغيّرات بتقدّم الليبراليين في أميركا اللاتينية، في صورة منقحة عن اليمين الأوروبي. يبقى الفارق في أن صعود اليمين في القارة العجوز نابع من أسباب قومية وإثنية وحتی دينية أحياناً، بينما يأتي صعود اليمين الأميركي اللاتيني في ظل مصاعب اقتصادية تشهدها بلدانه.

اقرأ أيضاً: مصير رئيسة الأرجنتين على إيقاع قاضٍ وإيران وحزب الله 

دلالات

ذات صلة

الصورة
أبرز مؤشرات اقتصاد الأرجنتين الفائزة بكأس العالم 2022

اقتصاد

تمكن منتخب الأرجنتين بقيادة أسطورته الرياضية الجديدة ليونيل ميسي من تحقيق حلم الفوز مجدداً بكأس العالم في قطر لعام 2022 للمرة الأولى منذ 36 عاماً على فوزه بالبطولة الثانية من هذا النوع. لكن ماذا عن مؤشرات البلد الذي يكابد أزمة فقر بين الأعمق عالمياً؟
الصورة
Jamal Al Sharif

رياضة

أثار قرار الحكم الإيطالي دانيلي أورساتو باحتساب ركلة جزاء لصالح منتخب الأرجنتين ضد منتخب كرواتيا، في المواجهة التي جمعت بينهما على استاد لوسيل، ضمن منافسات نصف نهائي كأس العالم 2022، العديد من التساؤلات بين الجماهير الرياضية.

الصورة
LUSAIL CITY, QATAR - DECEMBER 09: Lionel Messi of Argentina battles for possession with Nathan Ake of Netherlands during the FIFA World Cup Qatar 2022 quarter final match between Netherlands and Argentina at Lusail Stadium on December 09, 2022 in Lusail City, Qatar. Messi got called for a handball on the play. (Photo by Richard Heathcote/Getty Images)

رياضة

نصب ليونيل ميسي، نفسه نجما للقاء الأرجنتين، ونظيره الهولندي، في ربع نهائي بطولة كأس العالم 2022، الجمعة، في القمة التي انتهت لمصلحة كتيبة "التانغو" بفارق ركلات الترجيح.

الصورة
Ali Olwan

رياضة

أكد النجم الأردني الشاب علي علوان، على صعوبة المواجهة الودية بين منتخب بلاده ضد ضيفه منتخب إسبانيا، التي يحتضنها استاد عمّان الدولي غربي العاصمة الأردنية، غداً الخميس.