تحت عنوان "الزمن صامت"، يُقيم متحف الملكة صوفيا في مدريد حالياً وحتى نهاية آب/ أغسطس المقبل معرضاً استعادياً للفنان الإيطالي ماريو ميرز (1925 - 2003)، أحد الأسماء البارزة في الفن الحديث، والذي كرّس أعماله لمخاطبة التاريخ والأيديولوجيا، وعبّر من خلال لوحاته وتجهيزاته وكولاجاته عن موقفه من المناخ السياسي والفكري في إيطاليا في الستينيات والسبعينيات، إلى جانب رفضه الرأسمالية وطريقة الحياة الأميركية التي تبنّتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
ارتبط اسم ميرز بـ "الفن الفقير"، وهي حركة أطلقها الناقد الفني جيرمانو سيلانت عام 1967؛ حيث تدور معظم أعماله حول معارضة ونقد المجتمع الاستهلاكي ما بعد الصناعي، فنجده يستخدم المواد العضوية مثل الطين والأغصان والشمع والفحم والمسامير، ويستعيد أيضاً شخصيات ومخلوقات ذات معانٍ أسطورية وجيولوجية وحيوانات شبه منقرضة أو نادرة مثل وحيد القرن والتمساح، كما استخدم مواد سريعة التلف مثل ورق وأغلفة الرسائل وورق تغليف المواد الغذائية.
لم يكن ميرز مجرّد فنان يعبّر عن احتجاجه على الواقع من خلال العمل الفنّي، بل كان عضواً في جماعة المقاومة المناهضة للفاشية (Giustizia e Libertá)، وسُجن عام 1945 بسبب نشاطه.
في وقت مبكر جدّاً من حياته المهنية، استكشف اهتماماته السياسية والاجتماعية من الناحية الجمالية، وعلى الأخص في الأعمال الرمزية التي قدّمها مثل "Igloo di Giap" أو "المبنى القبني لجياب" (يقصد السياسي والعسكري الفيتنامي فون نجوين جياب) وقدّم منه سلسلة أصبحت علامة في تاريخ الفن الإيطالي الحديث ومدرسة الفن الفقير.
وكان أوّل كوخ صنعه من هذه السلسلة عام 1968، يتألّف من هيكل فولاذي نصف كروي مغطّى بكتل من الطين مغلّفة بالبلاستيك، وكتب عليه ترجمة إيطالية من عبارة للجنرال جياب يقول فيها: "إذا كتّل العدو قواته فقد الأرض، إذا فرقها، فقد القوّة".
ما جذبه إلى هذا الاقتباس متعلّق بالفلسفة الشرقية أكثر ممّا يتعلّق بالاستراتيجية العسكرية. كما أنّ الإشارة إلى حرب فيتنام كانت تعني إثارة أسئلة حول الكيفية التي نعيش بها على هذا الكوكب، وقد بنى الفنّان لنفسه كوخه الشخصي من "الفن الفقير"، لأن هذه الحركة تعلّقت بالموقف السياسي والثقافي بقدر ما ارتبطت باستخدامها للمواد البسيطة.
أمّا تجهيزه الذي أطلق عليه "ما العمل؟"، فجاء استجابة للحماس الذي ألهبته ثورة أيار/ مايو 1968 في أوروبا كلّها، بل والعالم. يتكوّن التجهيز من حوض ألمنيوم مستطيل بمقبضين، هو في الأصل إناء يُستخدم لطهي السمك، مملوء بشمع العسل الأصفر وأعلاه علامة نيون زرقاء فاتحة مكتوب عليها "ما العمل؟".
بدأ النيون يصبح عنصراً أساسياً من أعماله عام 1966، حيث قدّم سلسلة من اللوحات الفارغة المثقوبة بأنابيب نيون رقيقة - قبل الانتقال إلى النحت. في أعمال مثل "ما العمل؟"، يقوم النيون بتغيير التركيب المادي للعمل بقدر ما يغيّر مظهره البصري، حيث النيون يسخّن الشمع ويذوّبه ويبعث رائحة لتتجاوز علاقة المتلقّي بالعمل الحاسة البصرية.
بدأ ميرز في استخدام العبارة الإيطالية "ما العمل؟" بشكل متكرّر في أعماله منذ عام 1967، السؤال الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بخطاب 1902 الذي ألقاه فلاديمير لينين واستخدم فيه الكلمات كنداء ثوري للسلاح.
وقد أعاد نشر هذا الخطاب الجدل في إيطاليا عام 1968 وتمّت قراءته واستقباله بحماس، خاصّةً من قبل الطلّاب والعمّال الذين كانوا يتظاهرون في ذلك الوقت.
أخذ لينين عبارة "ما العمل؟" من رواية اشتراكية كتبها نيكولاي تشيرنيشيفسكي عام 1863، وقد كُتبت الرواية من موقع يُنظر فيه إلى الفن على أنه وسيلة للكشف عن الواقع وفهمه بشكل أفضل. لكن ميرز لم يكن لديه اهتمام كبير بكتيب لينين رغم أنه قرأه. ما أثار اهتمامه حقاً بسؤال "ما العمل؟" هو ملاحظته الأطفال يطرحون هذا السؤال باستمرار خلال اللعب.