ماذا ينتظر العراق بعد داعش؟

28 نوفمبر 2017
+ الخط -
انتهت، أو تكاد، أسطورة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق، بعد سنواتٍ من القتل والقتال، كلفت العراق ملياراتٍ من الدولارات والآلاف من البشر، وتدمير مدن بأكملها، ويبقى السؤال: ماذا بعد "داعش"؟. ما زالت ملفات كثيرة بحاجة إلى مراجعة، قبل أن نطوي صفحة "داعش"، وننتقل إلى الصفحة التالية، لعل أولها السؤال الأهم والأكثر جدية وصعوبة في الوقت نفسه، كيف ظهر هذا التنظيم، وسيطر على ثلث مساحة العراق في غضون أيام؟ لماذا لم تصمد القوات العراقية بوجهه؟ هل هناك تآمر من طرفٍ أو أطراف حكومية؟ هل هناك من سهّل دخول هذا التنظيم إلى المدن؟
لا يمكن إغلاق كل هذه الملفات، والانتقال إلى ما بعد تلك المرحلة، من دون الوقوف على إجابات مقنعة لكل ما جرى. ولأننا لا نملك في العراق تلك الثقافة، وقبل ذلك لا نملك حكومة أو برلماناً يمكن أن يبحثا كل ما جرى، فإنهما يستعجلان القفز على ذلك كله، ويبحثان في مراحل ما بعد التنظيم الذي لا يمكن القول إنه انتهى بالكامل، فهو يتغذّى، كما تغذّى سابقاً، من تلك التناقضات السياسية والخلافات القائمة على المصالح والطائفية والحزبية، وهي وصفةٌ موجودةٌ في عراق ما بعد 2003، ولا يبدو أن شيئاً كثيراً تغير فيها.
أُعلن النصر على "داعش" من طهران قبل أن تعلنه بغداد، برسالة وتصريح من قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، والمرشد علي خامنئي الذي تتبع فصائل في الحشد الشعبي لولايته، من دون أن يكون لبغداد عليها أي سطوة أو كلمة.
إعلان فيه دلائل كثيرة لا تبشر بالخير لعراقٍ يريد أن يتعافى من سنوات "داعش" المدمرة، فإيران ترى نفسها أنها من حققت هذا النصر، وتنسب ذلك لها. ووجود إيران، وتدخلها بهذا الشكل الفج، أو قل سطوتها على العراق، سياسياً وعسكرياً، لا يعزّز الثقة بأننا يمكن أن نخرج من نفق "داعش" المظلم.
يتذكّر الجميع الظروف التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم، فطائفية رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وقمعه المفرط التظاهرات التي انطلقت في ست محافظات سنية، أسهما كثيراً في استغلال التنظيم هذه الظروف، وظهوره مُخلّصاً للعرب السنّة من ظلم حكومة المركز. لم يتغير شيء، فإيران ومليشياتها باتت اليوم موجودة بقوة في تلك المناطق، وممارساتها الطائفية، وإن كانت محدودة الآن، إلا أنها لا يمكن أن تستمر كذلك، فهي مليشيات في الغالب منفلتة، وبالتالي قد ترتكب أي جرم يمكن أن يُشعر الناس بالغضب.

يضاف إلى ذلك أن الحكومة العراقية، وبعد أشهر من تحرير مدينةٍ بحجم الموصل، تعرض جانبها الأيمن إلى تدمير شبه كامل، إلا أنها إلى الآن عاجزةٌ، حتى عن دفع بعض التعويضات للنازحين من أجل ترميم منازلهم التي دمرتها الحرب، بل ما زالت تلك الحكومة تمنع نازحي مناطق في جنوب بغداد، جرف الصخر مثلاً، من العودة إلى منازلهم.
وبين هذا وذاك، مازالت المشكلات السياسية تعصف بكل مكونات العملية السياسية، وإن حاول رئيس الوزراء، حيدر العبادي، أن يظهر بمظهر المسيطر على الوضع، إلا أن حقيقة الأمر غير ذلك، فما تحت رماد الأيام كثير مما قد يتفجر في أي لحظة.
لم تحظَ حكومة عراقية بعد 2003 بدعم عربي ودولي كما حظيت به حكومة حيدر العبادي، فالسعودية التي كانت في مقاطعة شبه كاملة مع العراق فتحت فجأة كل أبوابها للعراق، وتأسس مجلس تنسيق اقتصادي سعودي عراقي، وفتح معبر عرعر بين البلدين، وشاركت السعوية بمعرض بغداد الدولي بأكبر جناح، في محاولة سعودية لسحب البساط من تحت أقدام إيران، أو هكذا يفكّر صانع القرار في الرياض. ولأول مرة، تجتمع مصالح إيران وأميركا على شخص رجل واحد في العراق، هو حيدر العبادي، وهو أمر يجب استغلاله، كما أن هذه الحكومة اليوم باتت أمل العراقيين بأن تعبر بهم إلى ضفةٍ أخرى، بعيداً عن ضفة القتل والموت والفساد والطائفية التي أهلكت العراق سنواتٍ طوالاً.
نحن اليوم إزاء عراق يحاول، كما يعبر عن ذلك العبادي، أن يقضي على مظاهر الفساد، وهو فساد مستشر منذ العام 2003. ولكن ماذا لو كانت هذه الحرب تشبه حرب محمد بن سلمان على فساد عقود في السعودية؟ الفساد في العراق متأصل، تمارسه الأحزاب والتيارات والوزارات والمؤسسات الحكومية منذ 14 عاماً، وبلغت الأموال المهدرة نحو مائة مليار دولار، كما تذكر تقارير اقتصادية. وبالتالي، تعدّ عملية استئصال الفساد معركة أكبر وأخطر بكثير من المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وإلا كيف يمكن للعبادي أن يحاسب نوري المالكي، أو زعيم مليشيا عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي؟
كيف يمكن للعبادي أن يحاسب أساطين الفساد في حزبه، حزب الدعوة؟ كيف له أن يقف بوجه التيارات الدينية والسياسية التي تتقاسم واردات العراق منذ 14 عاماً، وهو يعلم جيداً أن ذلك قد يكلفه حياته. المهمة صعبة للغاية، وعراق ما بعد "داعش" سيكون وكراً لعمليات تصفية وتسقيط من نوع جديد، ترسخ الراسخ من عملية سياسية فاسدة، وتمضي بالعراق من جديد نحو مصيره الحتمي، التفكّك.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...