19 نوفمبر 2024
ماذا يريد العرب؟
تتنافس اليوم ثلاثة مشروعات كبرى في العالم العربي والإسلامي؛ القوى الدولية الكبرى (روسيا، أميركا)، والإيراني، والسلفية الجهادية العالمية؛ القاعدة وداعش، ولا يوجد مشروع آخر جاد، فالمشروع التركي متردّد، محاصَر عربياً، والمشروع العربي مفقود تماماً، والمحاولات الجارية ضعيفة ومحدودة وبائسة.
ثمّة فراغ استراتيجي وانهيار للنظام الإقليمي العربي، وتفكّك وتآكل في بنية الدولة القطرية، وإعادة هيكلة حقيقية تجري في المنطقة العربية، لإعادة ترسيم الخرائط الجغرافية والسياسية، لمزيد من التفتيت والتقسيم على أسسٍ طائفيةٍ وعرقيةٍ، وهي عمليةٌ تشارك فيها المشروعات الثلاثة السابقة (الدولي والإيراني والجهادي).
بدأت هذه التحولات مند تفكّك عرى الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وعربياً منذ اجتياح صدام حسين الكويت، ثم أخذت مدى أبعد مع أحداث 11 سبتمبر 2011، وما نتج عنها من الحرب على الإرهاب، ثم الحرب العراقية التي آذنت بانطلاق المشروع الإيراني الجديد، ليس في تصدير الثورة، بل في توظيف الشيعة وبناء النفوذ الإقليمي بدايةً من العراق، فجاءت ثورات الربيع العربي لتشكل محاولةً حقيقيةً من قوى التغيير السلمي للخروج من المسار المتدهور، إلاّ أنّ النظام الرسمي العربي، المحافظ والمتخبط، نجح في كبح "التحويلة"، والعودة إلى مسار الانحدار. لكن، بتسارعٍ أكبر، للوصول إلى النتائج التي نرى إرهاصاتها اليوم.
انظروا حولكم؟ إما دول عربية قيد التفكك والحروب الداخلية والدموية وصراع يستنزفها إلى أقصى مدى، أو دول تتبدّد من الداخل اقتصادياً وسياسياً وثقافياً؛ تغرق في أزمات البطالة والفقر والفساد وضياع الشباب وفشل تنموي واقتصادي وانسداد أفق الديمقراطية. وعلى الرغم من ذلك، ما تزال الحروب بين الحلفاء والأصدقاء العرب تحت الطاولة أكثر شراسةً من صراعهم مع إيران، أو حتى محاولتهم ترميم نظام إقليمي متهالك.
في سورية، فشل عربي ذريع وتخبط. وفي العراق الحال كذلك؛ والقوى الحقيقية الفاعلة هناك إيرانية أو عظمى أو تيار السلفية الجهادية. أما محاولات إنقاذ اليمن وليبيا ففشلت وزادت التعقيدات والمآسي هناك، وظهرت السلفية الجهادية لتعبر عن عمق الأزمة، ولتتصدّر محاولات جذب الشباب، بوصفهم القوى الوحيدة القادرة على التغيير.
هل تختلف الحال في القوقاز وآسيا الوسطى، حيث الدول الإسلامية الجديدة التي خرجت من رحم الاتحاد السوفييتي، تبحث عن هويتها وتحالفاتها الجديدة؟ الجواب معروف؛ فهناك مشروع إيراني طموح، ومحاولات إسرائيلية ناجحة، وتنافس أميركي- روسي، ومشروع سلفي جهادي ممتد وعابر للحدود، وصل أعضاؤه إلى سورية والعراق.
حتى الصومال؟ التنافس فيها بين دول الجوار الأفريقي والولايات المتحدة والسلفية الجهادية، وكذلك الحال المشروع الوحيد الناشط في وسط المسلمين في الصحراء الأفريقية هو السلفي الجهادي، الذي يسعى إلى القول إنّه يمثل الإسلام السني اليوم.
أين المشروع العربي؟ غائب. وربما السؤال الأكثر دقة: ما هو المشروع العربي؟ ماذا يريد العرب؟ ما هي استراتيجية النظام العربي المحافظ؟ وما هي خطة (ب) لدى الثورة المضادة التي أطلقها مهندسو هذا المعسكر ضد التغيير الديمقراطي؟ وماذا سيفعلون بعد أن فشلوا في العودة إلى ما قبل الثورات الشعبية؟ هل يريدون الصراع مع إيران حتى النهاية؟ وهل مشروع الجلوس على طاولة الحوار مطروحٌ أم مغيّب؟ ما هي أدواتهم وتحالفاتهم في هذا الصراع؟ ما هو موقفهم من الولايات المتحدة؟ على ماذا يراهنون، بعد أن أخبرهم الرئيس باراك أوباما الخبر اليقين؛ فلم يكذب عليهم؟ هل سيقبلون بخداع النفس حتى النهاية؟ ما موقفهم من تركيا؟ وهل فكّروا في التحالف حقاً معها أم اعتبروها عدواً استراتيجياً؟ وما ردود فعلهم على الاستدارة التركية أخيراً، بعد أن أدرك أردوغان أن الرهان على العرب والعالم السني خاسر يجرّه إلى الكارثة؟
كيف يريد العرب من العالم أن يتصرّف معهم؛ وهم يصدّرون الأزمات تلو الأخرى إليه؟ وكيف نريد من الآخر احترامنا بهذه الحال؛ من لا يحترم شعبه وإرادته، ويستخدم كل ما يستطيع لإبادته، لماذا يلوم الآخرين على سياساتهم؟ ما هو المنطق السياسي العربي؟ اشرحوه لنا وللعالم، كي يعرفوا كيف يتعاملون معنا؟
لا هي ليست أزمة الإسلام السني؛ فكراً وثقافةً وسياسية. إنها أبعد من ذلك بكثير.
ثمّة فراغ استراتيجي وانهيار للنظام الإقليمي العربي، وتفكّك وتآكل في بنية الدولة القطرية، وإعادة هيكلة حقيقية تجري في المنطقة العربية، لإعادة ترسيم الخرائط الجغرافية والسياسية، لمزيد من التفتيت والتقسيم على أسسٍ طائفيةٍ وعرقيةٍ، وهي عمليةٌ تشارك فيها المشروعات الثلاثة السابقة (الدولي والإيراني والجهادي).
بدأت هذه التحولات مند تفكّك عرى الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، وعربياً منذ اجتياح صدام حسين الكويت، ثم أخذت مدى أبعد مع أحداث 11 سبتمبر 2011، وما نتج عنها من الحرب على الإرهاب، ثم الحرب العراقية التي آذنت بانطلاق المشروع الإيراني الجديد، ليس في تصدير الثورة، بل في توظيف الشيعة وبناء النفوذ الإقليمي بدايةً من العراق، فجاءت ثورات الربيع العربي لتشكل محاولةً حقيقيةً من قوى التغيير السلمي للخروج من المسار المتدهور، إلاّ أنّ النظام الرسمي العربي، المحافظ والمتخبط، نجح في كبح "التحويلة"، والعودة إلى مسار الانحدار. لكن، بتسارعٍ أكبر، للوصول إلى النتائج التي نرى إرهاصاتها اليوم.
انظروا حولكم؟ إما دول عربية قيد التفكك والحروب الداخلية والدموية وصراع يستنزفها إلى أقصى مدى، أو دول تتبدّد من الداخل اقتصادياً وسياسياً وثقافياً؛ تغرق في أزمات البطالة والفقر والفساد وضياع الشباب وفشل تنموي واقتصادي وانسداد أفق الديمقراطية. وعلى الرغم من ذلك، ما تزال الحروب بين الحلفاء والأصدقاء العرب تحت الطاولة أكثر شراسةً من صراعهم مع إيران، أو حتى محاولتهم ترميم نظام إقليمي متهالك.
في سورية، فشل عربي ذريع وتخبط. وفي العراق الحال كذلك؛ والقوى الحقيقية الفاعلة هناك إيرانية أو عظمى أو تيار السلفية الجهادية. أما محاولات إنقاذ اليمن وليبيا ففشلت وزادت التعقيدات والمآسي هناك، وظهرت السلفية الجهادية لتعبر عن عمق الأزمة، ولتتصدّر محاولات جذب الشباب، بوصفهم القوى الوحيدة القادرة على التغيير.
هل تختلف الحال في القوقاز وآسيا الوسطى، حيث الدول الإسلامية الجديدة التي خرجت من رحم الاتحاد السوفييتي، تبحث عن هويتها وتحالفاتها الجديدة؟ الجواب معروف؛ فهناك مشروع إيراني طموح، ومحاولات إسرائيلية ناجحة، وتنافس أميركي- روسي، ومشروع سلفي جهادي ممتد وعابر للحدود، وصل أعضاؤه إلى سورية والعراق.
حتى الصومال؟ التنافس فيها بين دول الجوار الأفريقي والولايات المتحدة والسلفية الجهادية، وكذلك الحال المشروع الوحيد الناشط في وسط المسلمين في الصحراء الأفريقية هو السلفي الجهادي، الذي يسعى إلى القول إنّه يمثل الإسلام السني اليوم.
أين المشروع العربي؟ غائب. وربما السؤال الأكثر دقة: ما هو المشروع العربي؟ ماذا يريد العرب؟ ما هي استراتيجية النظام العربي المحافظ؟ وما هي خطة (ب) لدى الثورة المضادة التي أطلقها مهندسو هذا المعسكر ضد التغيير الديمقراطي؟ وماذا سيفعلون بعد أن فشلوا في العودة إلى ما قبل الثورات الشعبية؟ هل يريدون الصراع مع إيران حتى النهاية؟ وهل مشروع الجلوس على طاولة الحوار مطروحٌ أم مغيّب؟ ما هي أدواتهم وتحالفاتهم في هذا الصراع؟ ما هو موقفهم من الولايات المتحدة؟ على ماذا يراهنون، بعد أن أخبرهم الرئيس باراك أوباما الخبر اليقين؛ فلم يكذب عليهم؟ هل سيقبلون بخداع النفس حتى النهاية؟ ما موقفهم من تركيا؟ وهل فكّروا في التحالف حقاً معها أم اعتبروها عدواً استراتيجياً؟ وما ردود فعلهم على الاستدارة التركية أخيراً، بعد أن أدرك أردوغان أن الرهان على العرب والعالم السني خاسر يجرّه إلى الكارثة؟
كيف يريد العرب من العالم أن يتصرّف معهم؛ وهم يصدّرون الأزمات تلو الأخرى إليه؟ وكيف نريد من الآخر احترامنا بهذه الحال؛ من لا يحترم شعبه وإرادته، ويستخدم كل ما يستطيع لإبادته، لماذا يلوم الآخرين على سياساتهم؟ ما هو المنطق السياسي العربي؟ اشرحوه لنا وللعالم، كي يعرفوا كيف يتعاملون معنا؟
لا هي ليست أزمة الإسلام السني؛ فكراً وثقافةً وسياسية. إنها أبعد من ذلك بكثير.