ترامب بوصفه المخلّص المنتظر!
يبدي دبلوماسيون عرب تفاؤلاً غريباً، أو يذهبون إلى الحدّ من مستوى التشاؤم بعودة دونالد ترامب (الرئيس الأميركي المنتخب) إلى البيت الأبيض... لكن على ماذا يراهنون؟ على أنّه رجل قوي قادر على فرض التسوية، أنّه رجل صفقات، أنّ اتصالات جرت بين دبلوماسيين عرب ودائرة ترامب المقرّبة ووصلوا (العرب) إلى قناعة بأنّه منفتح على جميع الخيارات والاحتمالات، بل أكثر من ذلك هو بالفعل يحمل ضغينة لبنيامين نتنياهو ولا يحبّه على الصعيد الشخصي، وترامب (تحديداً) يحب ويكره، ويقفز على المؤسسات الرئيسية في الولايات المتحدة، ومن ثم، يمكن أن يفاجئ الجميع ويحقق ما لم يحققه أي رئيس أميركي آخر في هذه المنطقة!
تأخذني الأفكار المتفائلة السابقة إلى تساؤلٍ طريف ما إذا كنّا أمام ترامب القديم (صاحب المواقف المؤيدة بقوة لإسرائيل وابتزاز العرب مقابل الأمن والحماية والسلاح) أم ترامب جديد مختلف مفاجئ للجميع؟. وهل سنكون أمام معضلات الشرق الأوسط وكوارثه وتعقيداته ومعضلاته المستعصية على الحلول أم شرق أوسط جديد وما هو الشكل الجديد؟. هل هو الأميركي- الإسرائيلي؟. هل هو منطقة الصفقات الكبرى أم الصراعات والتوترات أم الحروب الكبرى أم الحروب بالوكالة؟.
قبل أن نُلبس الرجل ثوب المخلّص المنتظر أم الشيطان الأرعن، دعونا لا نبالغ بالقفز على كل الوقائع الموضوعية، وألا ننسى أنّ ترامب ليس الفاعل الوحيد. ومهما تخيّلنا قدرته على القفز على المؤسّسات الأميركية في ترسيم سياساته الشرق أوسطية، فهنالك قيود قوية ومحدّدات قوية ومتغيّرات أخرى لا يمكن تجاهلها، منها المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة العابرة للإدارات والرؤساء والمسؤولين، ومنها أنّ تقارير ومعلومات وتقدير موقف توضع على طاولة الرئيس في نهاية اليوم، وتحدّد له الخيارات الاستراتيجية الممكنة، ومنها ما يتعلّق بخلفيته وبقاعدته الاجتماعية الصلبة التي استند إليها للوصول إلى البيت الأبيض، وهي قاعدةٌ لا يخفى على أحد النواة الصلبة فيها والقوى الفاعلة فيها هي البيضاء الأنجلو ساكسونية واليمينية الصهيونية المؤيدة لإسرائيل. ومن ثم هنالك الكثير مما لا يمكن أن يتجاوزه الرجل.
الجانب الآخر، الذي لا يقل أهمية عمّا سبق، أنّ السياسة الخارجية الأميركية، وحتى القوة الأميركية، منيت بالفشل في كثير من الأزمات والحروب والأهداف خلال العقود الأخيرة، وكثير مما جرى التخطيط له لم يتم إنجازه، فمصير المنطقة ليس مرتبطاً بما يقرّره ترامب حصرياً!. صحيح أنّ السياسة الخارجية الأميركية متغيّر مهم ورئيس في المنطقة العربية (في ضوء عدم وجود قوى دولية أخرى فاعلة ومؤثرة بالمستوى نفسه)، لكنه واحدٌ من متغيّرات أخرى عديدة.
بغض النظر عمّا سبق؛ دعونا نحاول الاقتراب أكثر من السياسات الشرق أوسطية المتوقعة لترامب في المرحلة المقبلة، وأدعو المتفائلين به إلى الإجابة عن الأسئلة التالية، لنرى بعدها ما إذا كانوا سيحافظون على مواقفهم أم يعيدوا التفكير فيها.. هل ستكون لصالح الفلسطينيين أم الإسرائيليين؟ هل سيكون ما يقدّمه أفضل من صفقة القرن، أم أسوأ منها؟ ما هو أقصى عرض ممكن أن يقدّمه للفلسطينيين، مقارنة بكل الخطط الأميركية السابقة وبما قدّمه أخيراً؟ وما هو مستوى ضغطه على الإسرائيليين، مثلاً، للقبول بدولة فلسطينية لها أدنى حدود السيادة؟ وماذا عن موضوع القدس؛ هل سيكون ما يقدّمه أفضل مما قدّمه في صفقة القرن؟ أم أقل؟ وهل سيقدر أي أحد من الفلسطينيين على القبول بذلك؟ هل يعني الجفاء (المفترض أو المتخيّل) بين ترامب وبنيامين نتنياهو أكثر من مسألة شخصية أم سينعكس على موقف أميركا من إسرائيل نفسها؟ وهل هنالك بديل في إسرائيل عن نتنياهو يمكن أن يتراجع خطواتٍ كبيرة عن البنيامينية السياسية (بوصفها نموذجاً يهيمن على السياسات الإسرائيلية، كما حلّلت الباحثة ميرنا السرحان في مقال لها على موقع معهد السياسة والمجتمع)؟ وما هي خيارات ترامب مع إيران؟. وفوق هذا كله وذاك: هل يمكن أن نتجاهل الوعد الخطير الذي قدّمه لإسرائيل خلال حملته الانتخابية بتوسيع رقعتها؟ وماذا عن الفريق الذين رشّحهم لمناصب مهمة في إدارته، هل ما صدر عنهم يبشّر بالخير؟.