ماذا لوغير ترامب قواعد اللعب

19 ديسمبر 2016
+ الخط -
العاقل فقط من يُدرك أنّ المهمة الوحيدة للنظام السوري المتمثل برأس الهرم بشار الأسد هي تدمير سورية، ولو كانت له مهمة أخرى لما حافظت عليه الدول الكبرى، على مدار ست سنوات من عمر الصراع في سورية، فأيّ مهمة غيرها؟ هل أقل بكثير من الوقت الذي قضاه في سورية يعيثُ فساداً وفتكاً بأنباء جلدته من قتل وتهجير وتدمير للمدن والبنى التحتية السورية، وجعل سورية مركز استقطابٍ للدول العظمى، لتعالج مشكلاتها الداخلية والخارجية على حساب أرض الشام؟
قَبِل الأسد الدور الوظيفي بملء إرادته، معتقداً أنّ عامل الوقت سيوّفر له شرعية دولية على المدى البعيد، تسمح له أن يبقى قابعاً على صدر الشعب السوري، وعلى كرسيه المتسع به في دمشق، إذا ما حقّق وطبّق أجندةِ الحلفاء المتمثلة بتدمير سورية، وبالفعل تكفلت روسيا من الجو بتدمير البنى السورية ومن خلفها إيران بتغير التركيبة السكانية، وخصوصاً المكوّن السني في أكبر مدينتين في سورية، إذ طوّق العاصمة دمشق وحلب التي تُحتضر على طريقة غروزني الشيشانية، وأصبح من حق الحلفاء أن يتوّغلوا متى شاءوا في الجغرافية السورية لوضع موطئ قدم بحرية وبرية، كما تركيا في الشمال، وإسرائيل في هضبة الجولان، وحزب الله في القصير، وأميركا في عين العرب ودير الزور، وأصبح للجميع قواعد عسكرية دائمة، ما يعني أنّ أي تسوية نهائية لسورية تقتضي بالضرورة نهاية مهمة الأسد بشكل كامل، وخروجه من المعادلة، كما خرج من لبنان في 2005.
وإذا ما آمن بالمؤامرة الكبرى على سورية من دول صنّاع القرار، فإنّ تلك الدول نفسها لم تر الأسد إلا خير منفّذٍ لها، فكما سلَّم حافظ الأسد لبنان إلى إيران، فإنّ بشار الأسد سيترك سورية المدمرة لتكون قسمة للنفوذ الإيراني والروسي والتركي والأميركي. ولكن، على ما يبدو أنّ القط محبّ دائماً لخانقه، لم يتعلّم نظام البعث من كلّ التجارب للدول الحدودية معه، فها هي العراق تعيش على وقع الحروب المذهبية، منذ أن سلّمتها أميركا لإيران، ففتكت بكلّ المكوّنات العراقية، ونهبت خيرات العراق، وليس مستعبداً أن يكون الرضى الأميركي على التسليم هي مهمة أوكلتها لإيران لتستفرد الأخيرة باستنزاف المكونات العراقية، وتمزق النسيج السني والكردي والشيعي، لرغبةٍ أميركية بعيدةِ الأمد قد تتضح اليوم مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، والذي لم تتضح ملامح سياسته الخارجية بعد.
في المدى القريب، واستناداً إلى تصريحاته في الحملة الانتخابية فإنّ تعهّد ترامب بعودة الهيبة الأميركية وتأكيده على محاربة الإرهاب، وتعيينه جنرالات معادين إيران، فمن المرجح أنّ ترامب سيكون أكثر حزماً من أوباما الذي ترك إرثاً من الفوضى الخلاقة، لم تشهدها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية، فتسابق الدول اليوم لإنهاء مخططاتها في سورية والعراق يترك انطباعاً أنّ الجميع مترقَّب لوصول ترامب، بما فيهم دول الخليج، فعلى الصعيد الداخلي، سيهتم ترامب بملفات الاقتصاد، كونه رجل الأعمال، ويعرف تماماً قواعد اللعب الاقتصادية، والخيار الأصعب له ملفات منطقة الشرق الأوسط، فروسيا نراها اليوم تعزّز موقعها في سوريا سياسياً لتجعل من سورية ورقة تفاوضية، تواجه بها دول الغرب في ملفات جورجيا وأكرانيا وملفات أخرى، وإيران التي أعلنت أنها أحكمت سيطرتها على المنافذ البحرية تنتظر الخاطب الترامبي لها، فما سمِحَ به أوباما من تمدّد ذراع إيران في المنطقة قد لا يسمح به ترامب، وقد تكون المواجهة بينهم طويلة الصراع لردع إيران وإجبارها على العودة إلى الداخل الإيراني، عن طريق ملفين أساسين بيد ترامب، ملف العقوبات الاقتصادية والمواجهة المباشرة بالوكالة بتجنيد مليشيات محلية وعربية متعطشة لطرد إيران من المنطقة.
يتطلب تحقّق تعهد ترامب بعودة الهيبة الأميركية عودة واشنطن إلى المنطقة وبقوة بعد الفراغ الذي تركه أوباما، وأيّ دخول أميركي بوجه جديد يتطلَّب تغير قواعد اللعب، وقد تكون على حساب بعض الحلفاء لأميركا والتخلّص من بعضهم، وفي مقدمتها إعلان نهاية مهمة رأس الهرم في دمشق، فما دام الكل يتحضّر للعودة للتفاوض من جديد، فسيتم ذلك حتماً وترامب سيترأس توزيع التركة السورية، وقد يتم إرضاء الجميع، إلا أنّه من المؤكد أنّ ثوابت الأسد ستنتهي مع نهاية فصله الأخير.
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
FB7E1B28-E9EF-474D-808F-467FC19B57EE
يمان دابقي (سورية)
يمان دابقي (سورية)