مادونا إذ تشهد على الانحطاط

04 مارس 2015
+ الخط -

تصنع مغنية البوب مادونا الحدث منذ إطلالتها الأسبوع المنصرم على أثير إذاعة "أوروبا1" الناطقة باللغة الفرنسية، باعثة من جديد الجدل حول الكليب المُسجّل في 2012، الذي حَوَتْ بعض لقطاته صليباً معقوفاً على جبين مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا.

جاءت مقابلتها هذه المرة مليئة بتصورات جديرة بالملاحظة. تحدثت مادونا عن فرنسا وأوروبا بألفاظ ذات حمولات ثقيلة، تحدثت عن التعصب والكراهية، صعود اليمين المتطرف، كسُبلٍ مُفضية إلى النازية.

وبغض النظر عن الدوافع الإشهارية والحسابات الدعائية التي يتقنها المنتجون - ومادونا واحدة من أبرعهم - وبعيداً عن الجدل الذي لا يزال مستمراً بين "المادونتين"؛ مادونا ولوبان، والذي كان آخر فصوله دعوة الأولى للثانية إلى ما يشبه جلسة صلح؛ نقول إن كلام مادونا لا يستمد مشروعيته وصدقيّته من الواقع فحسب، بل من مادونا نفسها كرمز لما يسمى "ثقافة البوب" ذات الجوهر الانحطاطي برأينا، وكنوع من "عدميـة فنيّـة" لا نزال نشهد أَحْلَك فصولها من لدن الجيل الجديد أمثال نيكي ميناج وريهانا.

الواضح أن أوروبا عامة تعيش لحظة أُفولٍ، زمناً غَسَقِياً، فنظرة خاطفة على "الخريطة الانتخابية" تـبـيّـن بجلاء صعود اليمين المتطرف بكل أطيافه القاتمة، والذي يُجسِّد انحساراً للثقافة والفكر العقلاني النقدي الذي تميزت به القارة العجوز.

نضيف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية العاصفة بعملة اليورو أيقونة "أوروبا" كمفهوم Concept لثقافة وإرث مشترك بات مهلهلاً والخاسر الأعظم في فاتورة اللاكفاءة السياسيّة.

وكان من أبرز الأصوات التي نـبّـهت إلى "موت" محتمل لأوروبا والغرب التقليدي، الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي، الذي تحدّث عن نهاية دورة حضارية، مرجعاً ذلك إلى تراجع الإيمان بالقيم الأوروبية الأنوارية لحساب "قيم" نيوليبرالية يصنعها المال الانتهازي، وصعود إسلام راديكالي - بحسب الكاتب دائماً- مستعد للموت من أجل بضاعته القيمية.

إنه إذاً العصر الانحطاطي لأوروبا الحضارية والغرب عموماً، وها هي انحطاطيّة فاعلة ومؤثرة في عصرها تشير بأصابعها العشر إلى ذلك.


* كاتب من الجزائر

المساهمون