مئتا عام على ولادة بطرس البستاني

17 فبراير 2019
(بطرس البستاني)
+ الخط -

مئتا عام مرّت على ولادة بطرس البستاني (1819-1883)، الذي يلقبه البعض بأبي التنوير العربي، ويذهب البعض الآخر إلى وصفه بـ رائد رواد النهضة في بلاد الشام وهو المولود في الدبية في جبل لبنان، والذي شهد الفتنة الأهلية فيه وقاومها بالقلم والتعليم.

صفات كثيرة يمكن إطلاقها على صاحب "بلوغ الإرب في نحو العرب"، المدرّس والمؤرخ واللغوي والإصلاحي والصحافي والمترجم وكذلك العلماني، وفوق هذا فإنه المعجمي صاحب "محيط المحيط" و"دائرة المعارف" و"قطر المحيط".

عاصر البستاني حرب جبل لبنان الأهلية عام 1860، وأدرك دور الصحافة في تلك الحرب، فأطلق نشرة عنونها "نفير سورية" في أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، وبدأ في كتابة مقالات بعنوان "وطنية 1" و"وطنية 2".. إلخ دافع فيها عن الحرية الدينية، وعن التعايش والسلام بين الطوائف، وكانت مقالاته تجد صدى واسعاً بين قارئيها.

يقول في إحداها "سورية المشهورة ببلاد الشام وعربستان هي وطننا على اختلاف سهولها ووعورها وسواحلها وجبالها، وسكان سورية على اختلاف مذاهبهم وهيئاتهم وأجناسهم وتشعباتهم هم أبناء وطننا".

ويكمل "يا أبناء الوطن، لأهل الوطن حقوق على وطنهم، كما أنّ للوطن واجبات على أهله... ومن الحقوق التي على الوطن لبنيه الأمنية على أفضل حقوقهم، وهي دمهم وعرضهم ومالهم، ومنها الحرية في حقوقهم المدنية والأدبية والدينية، ولا سيّما حرية الضمير في أمر المذهب".

عندما انتهت حرب جبل لبنان كان البستاني قد كتب إحدى عشرة نشرة من "نفير سورية"، يشير إليها المؤرّخون بالصحيفة، بينما كانت عبارة عن صفحة واحدة، تناول فيها فتنة 1860 والطائفية، ورأى الحل في فصل "الرياسة عن السياسة" قاصداً الدين عن الدولة، حيث تعني الرياسة ريس الدير أو المذهب.

تناول البستاني أيضاً في إحدى هذه النشرات موضوع التمدن، ففرّق بين التمدّن المظهري والتمدن الحقيقي، وحذّر من محاكاة التمدن الغربي، لأن هذا يعني أن نكون مقلّدين لا متمدنين، وأن هذا لن يأخذ الأمة إلى الأمام بل سيؤخرها.

كان البستاني نصيراً للحريات باختلاف أشكالها، فهو أيضاً من القلّة التي دافعت عن أسعد الشدياق (1798-1830) بعد أن تحوّل من المذهب الماروني إلى البروتستانتي واحتجز في دير حتى رحيله، فقال "ممّا لا شكّ فيه أنّ حرية الضمير لا يمكن أن تُمنح من قبل أصحاب الحكم في هذا العالم. وحتى إن اتحدت قوى الأرض والجحيم كلها فلن تكون قادرة على انتزاع الحرية من صدر من يمتلكها، ذلك أنّ أيّ شخص ذاق مرّة حلاوة الحرية الإلهية فلا سبيل لكي يرجع إلى العبودية".

في سياق الحريات نفسه، دعا البستاني إلى تعليم المرأة، وطالب بتأسيس مدرسة للفتيات، لكنه رحل قبل أن يحقّق هذا الحلم، غير أنه أنشأ "المدرسة الوطنية" عام 1863، التي أقيمت في منطقة زقاق البلاط في بيروت، وكانت وحيدة بين مجموعة كبيرة ومسيطرة من المدارس الأجنبية آنذاك.

كان من أهم مبادئ المدرسة الوطنية تخريج طلاب ليسوا غرباء في وطنهم وتزويدهم بمعارف تربطهم بالوطن ولا تدفعهم إلى الهجرة عنه، وكان يعني بذلك تشرّب الحضارة والثقافة العربية كمنطلق لا يمنع من تعلم اللغات والثقافات الأخرى. وضع البستاني لهذه المدرسة أربعة عشر مبدأً، وأصبحت مقصداً للطلاب من جميع بلدان المشرق وعرفت بتبنيها قيم العلم والتسامح والتعايش والوطنية.

لا شكّ أنّ البستاني، بإتقانه عدّة لغات أوروبية، قد اطلع على فكر النهضة والتنوير الغربي، لكن ما ميزه عن روّاد النهضة في عصره أنه لم يستنسخ ذلك الفكر، بل وظّفه في خدمة الثقافة والحضارة الشرقية، ساعده في الاطلاع على هذه الثقافة بشكل أكبر عمله مترجماً لفترة في القنصلية الأميركية في بيروت التي تعيّن فيها عام 1840.

ألّف البستاني عدّة كتب من أبرزها "معارك العرب في الشرق والغرب"، و"أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام" و"أدباء العرب في العصر العباسي"، ووضع عدّة مؤلفات في النحو والصرف واللغة والأدب، وصدر من قاموسه "دائرة المعارف" أحد عشر جزءاً أكملها أبناؤه من بعده. كما كتب "معجم النفيس" وهو أول قاموس عصري في اللغة العربية، سنة 1870، جمع الكثير من المصطلحات العلمية والفنية.

ترجم البستاني عدّة كتب عن الفرنسية والإنكليزية، فقد شارك في ترجمة الكتاب المقدس مع عالي سميث وراجعه له ناصيف اليازجي، كما ترجم "تاريخ الإصلاح في القرن السادس عشر" لـ مريل دو بينياه، و"التحفة البستانية في الأسفار الكيروزية" لـ دانيال ديفو وغيرها.

المساهمون