وكشفت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أنّ القاهرة أرسلت إشارات توضح غضبها من السياسة الإماراتية تجاه منظومة الحكم المصرية، عبر إبعاد المسؤولين المصريين المحسوبين على أبو ظبي في الأجهزة الحساسة والوزارات السيادية، مثل الاستخبارات العامة والحربية ووزارة الداخلية. وأوضحت المصادر أن وزارة الداخلية أجرت حركة تنقّلات بين مساعدي الوزير، تمّ خلالها إبعاد كافة القيادات المحسوبة على الإمارات من المواقع المهمة، وهو ما أغضب أبو ظبي بشكل كبير.
وبحسب مصادر سياسية، إنّ الأزمة وصلت إلى ذروتها خلال شهر فبراير/شباط الماضي، عندما ألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض على ضابط اتصال في سفارة أبو ظبي في القاهرة، بتهمة التجسس، ومحاولة تجنيد مسؤولين في مواقع حساسة لإمداده بمعلومات دقيقة. وأوضحت المصادر أن "قيادات رفيعة المستوى أجرت اتصالات متبادلة في محاولة للسيطرة على الأزمة، ومنع خروجها للإعلام حتى لا تتفاقم، والإفراج عن الضابط الإماراتي في أسرع وقت". ولفتت إلى أنه بعد نحو ثلاثة أيام من الاتصالات المتبادلة، أصدر السيسي تعليمات شخصية بإطلاق سراح الضابط، الذي غادر القاهرة على متن طائرة خاصة بصحبة أحد المسؤولين، قبل أن يتبعه إلى العاصمة الإماراتية مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، التي زارها بدعوة من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، لبحث التداعيات.
وأشارت المصادر إلى أن نتائج تلك الخلافات ومظاهرها تجلّت في تغيُّب محمد بن زايد، عن مجموعة من الفعاليات المهمة بالنسبة إلى النظام المصري، والتي كان في مقدمتها افتتاح مسجد "الفتاح العليم" وكاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الإدارية، التي أطلق النظام المصري اسم بن زايد على أهم وأكبر محاورها المرورية. ولفتت المصادر إلى أنّ ذروة تلك الخلافات تجلّت أيضاً في التمثيل الهزيل للإمارات في القمة العربية-الأوروبية التي عُقدت في شرم الشيخ برئاسة مصرية مطلع شهر مارس/آذار الماضي، حيث قاد وفد الإمارات خلالها الشيخ حمد بن محمد الشرقي، حاكم الفجيرة، بعدما كان مقرراً أن يقوده بن زايد بنفسه، مشيرةً إلى أن الحضور الإماراتي خلال تلك القمة كان الأضعف لتمثيل الحليف الأبرز للنظام المصري في فعاليات كبرى منذ انقلاب السيسي في 2013. وكان تغيُّب ولي عهد أبوظبي وكذلك شقيقه عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، عن حضور القمة، قد أثار وقتها الكثير من علامات الاستفهام.
في السياق ذاته، قالت مصادر دبلوماسية بارزة، إنّ تفجُّر الخلاف الذي بدأت السيطرة عليه أخيراً، جاء نتيجة مجموعة من التراكمات، وليس لسبب واحد، مشيرة إلى أنّ من بين تلك التراكمات سعي الجانب الإماراتي لسحب الملف الليبي من مصر، على الرغم من أهمية هذا الملف بالنسبة إلى القاهرة، نظراً لتأثيره المباشر على أمنها القومي والحدود المشتركة بين الدولتين.
واستطردت المصادر أنّ "الأمر بدأ في هذا السياق بخلافات في وجهات النظر بشأن التعامل مع الأزمة والحلول المتعلقة بها، إذ كانت القاهرة تتبنى وجهة النظر الهادئة التي تقضي بتوفيق الرؤى بين معسكرَي الشرق الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والغرب الذي يقوده رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، المدعوم أممياً، والتوصل إلى حلول سياسية للأزمة. في المقابل، تتبنى الإمارات وجهة نظر تقضي بحل عسكري، عبر دخول العاصمة طرابلس عسكرياً من جانب القوات التي يقودها حفتر، من أجل القضاء على الكتائب المسلحة المنتمية للتنظيمات الدينية هناك والتي تدعم حكومة الوفاق".
وأضافت المصادر أنّ "تلك الخلافات أخذت في التعاظم بعد محاولات مصرية لجعلها في إطار المناقشات، حتى بدأت أبو ظبي أخذَ خطوات منفردة، بدعوة القيادات الليبية إلى أراضيها للاجتماع هناك بعيداً عن القاهرة".
وكانت مصادر قد كشفت في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، أنّ تقديم المحكمة الخاصة بمحاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وعدد من قيادات "الإخوان المسلمين"، تقريراً معنوَناً بـ"سري للغاية يُفرَم بعد قراءته"، ضمن أحراز القضية المعروفة باسم اقتحام الحدود الشرقية والتخابر مع حركة "حماس"، يدين دولة الإمارات في تمويل أعمال تخريب في مصر خلال الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير، وقيامها عبر سفارتها في القاهرة، بإدارة العديد من وقائع التخريب، وإمداد مجموعات وتنظيمات من البلطجية بالأسلحة والأموال، وهي الأمور المثبتة بمحاضر شرطية رسمية، يأتي ضمن محاولات مصرية للضغط على الإمارات بسبب خلافات بدأت بين الجانبين.
وبحسب المصادر، إن النسخة الأصلية من التقرير الذي كشفت عنه المحكمة، لم تذكر اسم الإمارات تماماً، وأنّ الأسماء الواردة ضمن التقرير جميعها متعلق بدولة البحرين، عبر سفارتها في القاهرة، إذ كانت هي الخلفية التي تدير من ورائها دولة الإمارات تلك التحركات المناوئة للثورة المصرية، واسم دولة الإمارات تحديداً لم يذكر في ذلك التقرير. وقالت المصادر إنّ ظهور التقرير في هذا التوقيت بعد إدخال تعديلات على مضمونه الأصلي، بتضمينه اسم دولة الإمارات، يثبت أنّ هناك خلافاً لا يُستهان به مع أبو ظبي، خصوصاً أنّ التقرير صادر عن جهات سيادية مصرية في وقت سابق، ويتهم الإمارات باتهامات غاية في الخطورة. كما أنّ هذا التقرير لم يتم عرضه خلال جولة المحاكمة الأولى تماماً، على الرغم من أنّ تلك الأحراز بالكامل كانت في حوزة المحكمة.