من جهتها، تستعد فصائل المعارضة لجولة قتال جديدة، عبر الحشد والتمترس. وسعت في الأثناء إلى إرباك حشود النظام، من خلال قصف أهم مراكزها في معسكر جورين غرب حماة بمئات الصواريخ وقذائف المدفعية.
وطاولت الغارات الجوية أمس الجمعة بلدة كفرسجنة ومدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، فيما استهدفت غارات جوية روسية مقراً لـ"فيلق الشام"، التابع إلى الجيش السوري الحر، قرب تلة الخضر شمال مدينة اللاذقية، ما أسفر عن مقتل قائد عسكري ومقاتل، وإصابة آخرين بجروح. كما قتل مقاتل من فصائل المعارضة على خطوط القتال بريف حماة الشمالي الغربي. من جهتها، قصفت فصائل المعارضة بصواريخ "غراد" مواقع للنظام في معسكر جورين وقرية جورين بريف حماة الغربي. كما قصفت مواقع في محاور الجبين وتل ملح والحماميات والسرمانية.
ورأى مراقبون أنه ولليوم الرابع على التوالي تشهد جبهات القتال في ريف حماة انخفاضاً ملحوظاً في الفعاليات العسكرية، تتخلله استهدافات وقصف صاروخي ومدفعي متبادل بين مقاتلي المعارضة وعناصر قوات النظام، التي عجزت عن تحقيق تقدم كبير بالرغم من كثافة الغارات الجوية، والتي شملت منذ بدء الهجوم قبل أكثر من شهرين ونصف الشهر، 12 ألف غارة جوية وبرميل متفجر، وأكثر من 46 ألف قذيفة صاروخية ومدفعية، وفق احصائيات المركز السوري لحقوق الإنسان. ولم تتمكن قوات النظام خلال هذه الفترة سوى من السيطرة على عدد محدود من القرى الصغيرة في غربي حماة، وفقدت بالمقابل ثلاث قرى كانت تسيطر عليها قبل بدء المعارك الحالية، ولم تتمكن من استعادتها برغم عشرات الهجمات التي فقدت فيها مئات القتلى والجرحى.
ومع هذا الفشل الميداني، تعرب مصادر في المعارضة السورية عن اعتقادها بأن النظام يتجه للتحضير لهجوم جديد بعيداً عن محاور القتال الحالية، لكن ليس بعيداً عن منطقة الغاب في ريف حماة الغربي الذي يعتبر منطقة حيوية جداً للنظام وروسيا، بسبب متاخمته لمناطق سيطرة النظام، وحاضنته الشعبية من جهة، وقربه من قاعدة حميميم في اللاذقية من جهة أخرى. وقال القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، لـ"العربي الجديد"، إن روسيا تحاول إعادة التوازن لموقف النظام ومساعدته ميدانياً خشية أن يؤدي أي انهيار كبير في صفوف قواته إلى تقدم مقابل لقوات المعارضة، وحدوث اختلال في المعادلات القائمة لصالح المعارضة وتركيا، على حساب النظام وروسيا، وكل ذلك له حساباته ونتائجه، ميدانياً وسياسياً، خصوصاً أننا على أبواب عقد جولة جديدة من محادثات أستانة في العاصمة الكازاخية نور سلطان في 1 و2 أغسطس/آب المقبل.
واعتبر حسون أن "فشل النظام مرده للقوى وليس للوسائط التي لا تنقصه، فهو يعمل حالياً على اختيار القوات المهاجمة من الحرفيين الذين خاضوا الكثير من المعارك وقد أصبحوا قلة لديه، وسيدعمهم بقوات من المليشيات الإيرانية، كحزب الله وغيره، وسيترك القيادة لقوات روسية برية تشارك قواته في الهجوم. وبالتأكيد سيخطط لفتح عدة جبهات متفرقة مع الإبقاء على جبهات مشاغلة واستنزاف". وأوضح أن النظام وداعميه "قد يستخدمون سياسة الأرض المحروقة وقصف التجمعات المدنية للضغط على الثوار كما فعلوا سابقاً في حلب"، مشيراً إلى أن الفصائل تسعى من جهتها لكل الاحتمالات، ولإمكانية أن يلجأ النظام إلى فتح محاور جديدة. ولم يستبعد أن تعمد الفصائل نفسها إلى فتح محاور قتال جديدة، بغية إرباك خطط النظام وتشتيت قواته، ملاحظاً أن قوات النظام وروسيا تعمدت خلال الأيام الماضية تصعيد عمليات القصف الجوي والمدفعي على مواقع القتال ومراكز الدعم في الخطوط الخلفية، فضلاً عن استهداف التجمعات السكنية، وذلك بغية إشغال فصائل المعارضة، وإنهاك قواتها.
من جهته، رأى الباحث السوري عبد الوهاب عاصي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قوات النظام باتت مستنزفة جداً، حيث إنها المرّة الأولى منذ سنوات التي تدخل فيها القتال المستمر لمدة تزيد عن 75 يوماً". وأوضح أن "تلك القوات تعاني من ضعف شديد في القوّة البشرية، وهي تعتمد في تغطية جبهات القتال الأمامية والخلفية وعلى طول خطوط التماس على كامل قوّتها تقريباً، ووصل بها الأمر لاستدعاء موظفي الهجرة والجوازات لملء بعض المناطق". وأضاف أن "قوات النظام السوري تعتمد على رأس حربة في أحد المحاور الرئيسية للهجوم، وتحاول قدر الإمكان تغطية بقية محاور المشاغلة وخطوط التماس بقوات ضمن الحد الأدنى من الأعداد"، مشيراً إلى أن "بعض فرقها ومجموعاتها تفتقر للخبرة القتالية والعقيدة اللازمة للاستمرار في المواجهة العسكرية". ورأى عاصي أن "قوات النظام السوري باتت تقريباً مجرد أداة لامتصاص هجمات المعارضة، في حين تعتمد روسيا بشكل أكبر على القوات الخاصة التابعة لها والمليشيات المحلية من السقيلبية ومحردة ومصياف وحماة ونبل والزهراء وقمحانة وغيرها". وكانت روسيا نفت، أول من أمس، تدخلها البري. وقاتل وزارة الدفاع الروسية إنه "لم تكن لروسيا وليس لديها حالياً قوات برية في سورية".
وأشار عاصي إلى أن فصيلاً محسوباً على تركيا، من ضمن فصائل "الجيش الوطني" المدعوم من قبلها، أعلن بوضوح، في بيان، استهداف قاعدة حميميم بعدد من صواريخ أرض - أرض، وذلك انطلاقاً من جبهات ريف اللاذقية، حيث سقط أحدها داخل القاعدة في حين استطاعت القوات الروسية تدمير البقية. وأوضح عاصي أن "هذه هي المرّة الأولى التي يتم فيها الإعلان رسمياً من قبل المعارضة عن استهداف قاعدة حميميم، وهي بمثابة تحذير غير رسمي من قبل تركيا وفصائل المعارضة باستهداف المصالح الروسية على نحو مركّز وواسع النطاق في حال استمرت في دعم الحملة العسكرية على مناطق الشمال السوري، حيث تقوم حالياً بحشد قوات خاصة تابعة لها لمحاولة التقدم نحو سهل الغاب وجسر الشغور، وجلبت عربات عسكرية خاصة من المرتقب وصولها إلى ميناء طرطوس".
ومن الملاحظ أيضا، أنه بعد تهجير أكثر من نصف مليون شخص منذ بدء الحملة الحالية، عمدت قوات النظام وروسيا إلى توسيع نطاق عمليات التهجير عبر تركيز القصف على مناطق جديدة في سهل الغاب وغرب محافظة إدلب. وشهدت مدينة جسر الشغور حركة نزوح كبيرة، كما شهدت مناطق الزيارة والسرمانية والقرقور ودوير الأكراد والعمقية وتل واسط عمليات نزوح، حيث يفترش قسم كبير منهم العراء ضمن الأراضي الزراعية، فيما أقام آخرون عند أقرباء لهم في عمق إدلب وريف حلب الشمالي والشمالي الغربي. كما لجأ قسم آخر إلى المخيمات الحدودية مع تركيا. وقال رئيس المجلس المحلي لجسر الشغور، إسماعيل حسناوي، في تصريحات أمس الجمعة، إن مدينة جسر الشغور تعرضت للاستهداف بـ20 غارة من الطيران الحربي التابع للنظام السوري وروسيا وعشرات الصواريخ، ما أدى إلى نزوح 35 ألف مدني إلى الريف الشمالي ومنطقة الجبل الوسطاني. وأوضح أن خمسة آلاف مدني لا يزالون في المدينة، وهم بحاجة لكل شيء، وسط غياب المنظمات الإنسانية العاملة في منطقة جسر الشغور. وقالت مصادر محلية في المدينة إن الغارات على جسر الشغور استهدفت المراكز الصحية والمستوصف والمدارس والمباني الخدمية، وقد أسفرت عن مقتل 22 مدنياً، وإصابة 70، بعضهم بجروح خطيرة. وكان مجلس مدينة جسر الشغور أعلن، في 12 يوليو/تموز الحالي، المنطقة "منكوبة" جراء الهجمة التي يشنها الطيران الروسي والتابع للنظام السوري.