دفعت الأزمات المتتالية التي يتعرض لها العرب السنّة في العراق، من احتلال تنظيم "الدولة الإسلاميّة" (داعش) لمحافظاتهم وتهجيرهم منها، ومنع تسليحهم من قبل الحكومة، فضلاً عن احتلال أجزاء من محافظاتهم من قبل المليشيات، إلى التحرك لعقد مؤتمر يجمع قادة السنّة العراقيين للخروج بجبهة موحّدة للدفاع عن حقوقهم وسط تأكيد على دعم سعودي - أردني للمؤتمر المرتقب الشهر المقبل.
يؤكّد مصدر سياسي سنّي في بغداد لـ"العربي الجديد" بدء التحضير لمؤتمر واسع للقوى والكتل السياسية والشخصيات الدينية السنيّة الفاعلة في الشارع العراقي. ويوضح المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "المؤتمر يأتي بتحرك سعودي - أردني في هذا الإطار، ويجري التنسيق مع شخصيات مسؤولة داخل المكّون السني، وتمّ إبلاغ الجانب الفرنسي أخيراً بالموضوع خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى الرياض الأسبوع الماضي، مبيّناً أنّ "هوية الشخصيات التي سيتم استدعاؤها لا تزال مجهولة، إلّا أنّ الحديث يدور حول شخصيات فاعلة سياسية ودينية وعشائرية بهدف توحيد المواقف وجمع شتاتهم وتشكيل جبهة موحّدة ضد الإرهاب المتمّثل بتنظيم "داعش"، وضد التدخل الإيراني ونفوذه المتصاعد في العراق، مضيفاً أنّ "اجتماعات مصغّرة ستعقد في أربيل وعمان تمهيداً للمؤتمر الذي سيكون شفافاً وعلنياً".
ويأتي حديث المصدر السياسي بالتزامن مع إصدار الأمين العام لكتلة كرامة، الشيخ خميس الخنجر، بياناً صحافياً أمس الجمعة، دعا فيه السياسيين في العراق إلى "الجلوس معاً، والخروج برؤية موحّدة لتقديس الدم العراقي، وبناء الدولة على أساس العدالة ووحدة التراب العراقي"، مطالباً بـ"بناء جيش عراقي وطني". وحذّر الخنجر من "دخول الغرباء إلى المناطق الغربية" (في إشارة إلى دخول المليشيات إلى بلدة النخيب في الأنبار)، معتبراً ذلك "إعلان حرب أهلية". وشدّد الأمين العام لكتلة كرامة على أنّ "التنظيمات الإرهابية والخارجين على القانون، هم خطر على الشعب العراقي والدولة"، محذراً من "إبقاء العراق ضعيفاً كونه يمثّل الطريق نحو تقسيمه".
اقرأ أيضاً: المليشيات تحوّل المدن العراقية المحرّرة لمناطق خالية من السكان
وكشف الخنجر، الذي يعد واحداً من أبرز الشخصيات السنيّة ذات الحضور الشعبي في العراق، عن "عقد أول مؤتمر يجمع شخصيات ورموزاً سياسية واجتماعية ودينية وقادة في الجيش السابق وممثلي فصائل في المحافظات السنيّة الشهر المقبل في باريس"، موضحاً "سيشهد الشهر المقبل إطلاق قيادة سنية جديدة تضم كل أطراف هذا المكّون، وهي ليست ضد أحد". وأشار إلى أنّ "اللقاء سيكون فاعلاً ومهماً لجميع قادة السنّة ومعارضي العملية السياسية والمشاركين فيها، وقادة الفصائل وشيوخ العشائر ورجال الدين في المحافظات"، مبيّناً أنّه "يهدف لتوحيد هذا المكون وخطاب قيادته للمساهمة بتحقيق الاستقرار وبناء وطنهم".
وأوضح الخنجر أنّ "اختيار باريس مهم وله دلالاته، ففرنسا هي الدولة التي لم تشارك باحتلال العراق ودعمت جميع مكوّنات العراق والعملية السياسية والاستقرار، كما أنّ انعقاده في أي دولة عربيّة، سيعرّضه إلى المساءلة من قبل بعض السياسيين المشككين".
وبشأن قرار الكونغرس الأميركي بتسليح العشائر والأكراد، أكّد الخنجر أنّ "الضجة التي أثيرت ضد مشروع القرار أخذت أكثر من أهميته، وهو قرار نتج من الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة بهدف الضغط على إدارة باراك أوباما، وهو قرار من الصعب تطبيقه في ظلّ استمرار مفاوضات الملف النووي الإيراني".
وقال الأمين العام لكتلة كرامة إن "المشروع لا يمس العراق، فالعراق اليوم مقسّم، وهنالك منطقة خاضعة لسيطرة البيشمركة وأخرى تحت سيطرة "داعش"، وبعض العشائر تسيطر على أراض في الضلوعية والعلم، وهناك سيطرة للحشد الشعبي (الحليف لإيران)، فالعراق مقسّم ونحن نبحث عن إمكانية إعادة وحدته مع الشركاء". وأشار إلى أنّ "الذي يخاف على وحدة العراق وعروبته، عليه أن يرى كيف أنّ إيران تسلّح بعض الفصائل من دون علم الحكومة العراقية، وترسل جنرالاتها ويشاركون في معارك داخل العراق"، متسائلاً "لماذا لا يعتبر ذلك خرقاً للسيادة؟" وتابع، "لذلك نحن بحاجة إلى الإصلاح السياسي لمنع تقسيم العراق".
من جهته، يعتبر الشيخ محمد عبد الله، أحد زعماء قبائل الأنبار البارزين المناهضين لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "الوقت قد حان لإنهاء حالة الانقسام داخل الوسط السنّي واستبعاد الشخصيات المترهّلة والفاسدة ذات الانتماءات الحزبية الضيقة".
ويتابع عبد الله أنّ "وحدة هذا المكوّن لن تكون على حساب وحدة العراق أو يحمل نزعات انفصالية، لكنّه سيكون لاستحصال الحقوق واستعادة الأراضي المسلوبة وإعادة النازحين إلى ديارهم سالمين"، مؤكداً أنّ "دولاً عربية تدعم هذا المشروع وستضع نهاية للانقسام الحاصل".
ويشدّد الفارس على أنّ "النخيب أنبارية منذ تأسيس الدولة العراقية، وستبقى كذلك"، مؤكّداً "امتلاك الأدلة والوثائق التي تثبت ذلك". ويشير إلى أنّ "التحرك نحو النخيب جاء بأجندة طائفيّة، وهي محاولة للاقتراب من الحدود السعودية، للاعتداء عليها انتقاماً للحوثيين".
كما يؤكّد أنّ "المليشيات التي دخلت النخيب تابعة لعضو مجلس محافظة كربلاء محمد الموسوي، وقد اعتدت على المواطنين"، مطالباً الحكومة بـ"محاسبة الموسوي ومليشياته، وتطبيق القانون بحقهم".
اقرأ أيضاً: تحالف سني ولكن..