عرض مؤتمر "العرب والكرد المصالح والمخاوف والمشتركات"، الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، في يومه الثالث والأخير، المسألة الكردية في سورية والعراق بين الفدرالية واللامركزية، حيث بدا واضحاً، أن هناك اتفاقاً على فشل نموذج "الدولة-الأمة"، التي ضمت أجزاء من كردستان، وحتمية إعلان استقلال الإقليم، قبل الحديث عن أي نموذج فدرالي أو كونفدرالي بين العرب والكرد في العراق.
وقال الباحث، عبدالحكيم خسروت جوزل، إنه "تم طرح الكونفدرالية بعد فشل نموذج الدولة-الأمة، التي ضمت أجزاء من كردستان"، لافتاً إلى أنه "لتحقيق الاستقرار في إقليم كردستان، وتشكيل اتحاد كونفدرالي بعد تشكيل الدولة الكردستانية، لابد من إعلان الاستقلال أولاً، من ثم ضمه في اتحاد كونفدرالي"، مضيفاً أن "الرؤية التكاملية للقيادة السياسية الكردية أنه لا يمكن إعلان الاستقلال دون إطار التكامل، مع الحفاظ على هوية باسم العراق، والحفاظ على الإقليم".
وأضاف أن "هناك اتفاقاً كردياً على فشل الدولة - الأمّة، مع الاختلاف في أسس الكونفدرالية وأبعادها القومية والأيديولوجية. ففي النموذج الكردستاني العراقي، نجد استمرار الدعوة إلى إعادة بناء دولة - أمّة كردستانية وفق المنظور القومي الليبرالي، ومن ثمّ بناء نظام تكاملي بين كردستان المستقل والعراق في الإطار الكونفدرالي، وفي إثر ذلك يتمّ بناء علاقات تكاملية بين دولة كردستان والدول الإقليمية، وحلّ القضية الكردية بالطرق السلمية في الأجزاء الأخرى، من دون طرح حلول مسبقة. أمّا الكونفدرالية الديمقراطية المطروحة من حزب "العمال الكردستاني" وتوابعه فهي نموذج أيديولوجي يرفض القومية والدولة – الأمّة، والانطلاق إلى بناء نماذج من الإدارة الذاتية الديمقراطية والفدرالية الديمقراطية، إلى أن نصل إلى الكونفدرالية الديمقراطية".
ووفق الباحث جوزل، فإن "هذه الرؤية لحلّ القضية الكردية، والتي تتقارب من حيث المصطلحات وتختلف في الأدوات وآليات التطبيق والأيديولوجية، سببت انقسامًا حادّاً في المجتمع الكردستاني، وهي تنذر بجولة أخرى من الصراعات الداخلية الكردية - الكردية، التي ستؤثّر كثيرًا في نجاح أيّ نموذج من النموذجين، والتي ظهرت على نحوٍ جليّ في تجربة الإدارات الذاتية في كردستان سورية، وقد بدأت محاولة تعميمها في كردستان العراق من سنجار بعد أحداث 2014".
ورأى الباحث سليم زخور أن "مستقبل الكرد يرتبط بتعزيز الفدرالية من جهة، والتوافقية من جهة أخرى"، لكنه قال، إن "المسار عكسي بالنسبة إلى التوافقية، وخصوصاً مع الرفض الشيعي لذلك منذ مفاوضات تأسيس النظام الجديد".
وتحدث زخور عن ثلاثة خيارات أمام إقليم كردستان: "الاستقلال السيادي وأن يحظى إقليم كردستان باستقلال اقتصادي، من خلال إعادة تعزيز الفدرالية، أو تصحيح مسار الفدرالية التوافقية، أو إعلان الدولة الكردية".
وكان الباحث، رضوان زيادة، قد تحدث عن "واقعية قيام نظام سياسي يضمن حماية حقوق الكرد في سورية"، وقدم رؤية يمكن، كما وصفها، أن "تشكل مخرجاً للمعاناة والاضطهاد الذي تعرّض له الكرد على مدى عقود، مع الحفاظ، في الوقت نفسه، على أسس الدول السورية وديمقراطيتها"، مقترحاً الاعتماد على "نظام اللامركزية الإدارية، والتغيير الجذري في نظام الحكم المحلي، ونظام الانتخابات".
من جهته، عرض الباحث، فريد أساسرد، لـ"الجذور التاريخية لمسألة الحكم الذاتي الكردي في العراق، إذ أنشأ الأكراد أوّل منطقة للحكم الذاتي، في عام 1918، قبل قيام الدولة العراقية، لكن تلك التجربة فشلت بسبب تدهور العلاقة بالبريطانيين.
ومع سقوط النظام الملكي في العراق في عام 1958، استمرت المطالبة بالحكم الذاتي من دون أن يكون لذلك جدوى. وفي الستينيات، عانى العراق من عدم الاستقرار السياسي. كما شهد هذا العقد فشل مشروعين للامركزية الإدارية، وأربع جولات مفاوضات بين الأكراد والدولة. ولم تستقر الأوضاع إلّا في عام 1970، عندما اعترفت بغداد بحقّ الأكراد في الحكم الذاتي. لكنّ طرفَي النزاع فشلَا في التوافق في التفاصيل، فاندلعت الحرب مرّة أخرى عام 1974، وانهارت الثورة الكردية في إثر توافقٍ عراقي- إيراني عام 1975".
وبين أساسرد أن "عام 1975 كان بداية فقدان الحكم الذاتي لبريقه، فيما فك الأكراد في 1992 ارتباطهم بالحكم الذاتي على نحوٍ نهائي، وتوجهوا نحو إنشاء إقليم فدرالي في العراق".
ورأت كوردستان سالم آميدي أن "إقرار النظام الفدرالي في العراق، ضمن دستور عام 2005، يعد من أهمّ التطورات القانونية والسياسية التي أحدثت تغييرات أساسيةً في بنية النظام السياسي، والقانوني، والاجتماعي، والاقتصادي، في المجتمع العراقي. وأن هذه التجربة حققت، في بعض الأوقات، استقرارًا نسبيًّا في أغلب المستويات، وكانت ممهّدةً لإمكانية بناء دولة مدنية ديمقراطية في الشرق الأوسط، يكون فيها العرب والكرد شركاء حقيقيين في بناء الوطن، غير أنّ الإشكالية بدأت تظهر بعد أن اختلف القائمون على السلطة في تفسير مواد الدستور، وبدأ مع هذا الاختلاف صراع بين الحكومة الاتحادية التي حاولت فرض سيطرتها على أبعد ما نصَّ عليه الدستور، وحكومة إقليم كردستان التي سعت لتوسيع الاختصاصات والامتيازات التي جاءت في الدستور لمصلحتها".