مؤتمر القدس يبحث مواجهة أسرلة التعليم وطمس الهوية الفلسطينية

16 يونيو 2019
من جلسات اليوم الثاني في المؤتمر (العربي الجديد)
+ الخط -
بحث المشاركون في مؤتمر "القدس: تحديات الواقع وإمكانات المواجهة" والذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالشراكة مع الجامعة الأردنية ومؤسسة الدراسات الفلسطينية في العاصمة الأردنية عمّان، في الجلسات المسائية لليوم الثاني، واقع التعليم في القدس.

وحذر المشاركون خلال جلسات المؤتمر من تبعات محاولات تهويد التعليم والتضييق الذي تمارسه سلطات الاحتلال على المدارس العربية في المدينة، مطالبين الدول العربية بتقديم الدعم للعملية التعليمية في المدينة المقدسة، في ظل الاشتراطات التي تحاول فرضها الجهات 
والمؤسسات الغربية المانحة.

وقالت رئيسة الهيئة الإدارية لمشروع الأرشيف الفلسطيني حنين مجادلة إن التعليم في القدس يشكل ركيزةً أساسية، لها دور في بناء المجتمع وتقدمه؛ ولهذا يُعَد أيضًا من نقاط اللقاء التي يحتدم عندها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

وأوضحت أنه وفقًا لمعطيات جمعية "عير عاميم" (مدينة الشعوب) ينقص المقدسيّين 2500 غرفة صفّيّة، على الرغم من محاولة سدّ النقص في السنوات الأخيرة. كما أن النقص في الصفوف والمدارس أدّى إلى اكتظاظ الطلّاب في الصفوف المتوفّرة، ما يحول دون توفير بيئة تعليميّة جيّدة للطلبة.

وقالت مجادلة "تُعَدّ أسرلة التعليم سياسة عامّة مطلبها إفراغ التعليم الفلسطينيّ من إطاره الوطنيّ، وطمس الهويّة الفلسطينيّة ومقوّماتها ودلائلها في المناهج الفلسطينيّة؛ وبالتالي قطع الروابط التاريخيّة، العربيّة والإسلاميّة، لدى الجيل المقدسيّ الناشئ".

وقال الأستاذ المساعد في برنامج الفلسفة في الإسلام بجامعة القدس، محمود زياد، إن التعدد في مؤسسات التعليم في القدس جعل المدارس تفتقر لوجود هيئة منسقة أو جامعة بين مدارس القدس الأهلية والخاصة ومدارس وكالة الغوث الدولية، تهدف إلى حماية نفسها أولًا؛ وحماية منهاجها ثانيًا؛ وعدم تهويد التعليم ثالثًا.

تحذير من طمس الهوية الفلسطينية (العربي الجديد) 

وأوضح أن القانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، أيدت وأكدت انطباقها على أراضي مدينة القدس بأنها أراض محتلة، وبوجوب تطبيق قواعد وقوانين حماية المدنيين فيها وتأمين حقوقهم، وضمان عدم المساس بها.

وأضاف أن سلطات الاحتلال عملت وما تزال على إعاقة المسيرة التربوية، فانتهجت العديد من الممارسات لفرض سياستها التعليمية. وتصدى المقدسيون لهذه السياسات في محاولة لمنع فرضها؛ لما تشكله من خطر على الوعي الفلسطيني.

ورأى أن إسرائيل تحاول منذ حرب حزيران/ يونيو 1967 استخدام أدوات السيطرة والقمع والإقصاء، من خلال فرض مناهج وكتب التعليم في المدارس العربية في القدس الشرقية المحتلة. موضحا أن معظم المدراس في القدس المحتلة تبنت بعد الاحتلال الإسرائيلي المناهج الأردنية، إلى حين وصول السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994، فوضعت وزارة التربية الفلسطينية مناهج وكتبا تعليمية فلسطينية.

وقال إن إسرائيل تسعى إلى فرض مناهجها التعليمية وكتبها لتنقل روايتها بنصوص تتلاءم وسياسات الهيمنة والسيطرة، وفرض الرأي المرتبط بها، وسط رفض لكل ما هو فلسطيني أو يعزز الرواية الفلسطينية. لافتا إلى أن إسرائيل تعمل على وضع جهاز التعليم العربي في القدس تحت سيطرتها ومراقبتها المباشرة، وإخضاعه للأسرلة، أي إلزام الطلاب بدراسة نصوص تسعى لطرح مفاهيم ومصطلحات تعزز الرواية الإسرائيلية، من خلال إدماج فصول تعليمية عن تاريخ الشعب الإسرائيلي/ اليهودي.

إسرائيل تحاول السيطرة على مناهج التعليم العربية في القدس (العربي الجديد) 

واعتبر أن مناهج التعليم والكتب التعليمية هي ساحة أخرى من ساحات الصراع مع الاحتلال ومواجهته والتصدي له. وفي الوقت ذاته، إن المناهج والكتب التعليمية هي فضاء للنضال من أجل تثبيت الهوية الفلسطينية وتعزيز معرفة الطالب الفلسطيني وفهمه لتاريخه وحضارته وجغرافية وطنه ومسيرة سعيه؛ من أجل التحرر من الاحتلال بلوغًا إلى الحرية. وعرض منصور نماذج وعينات من أدوات القمع والسيطرة والإنكار التي توردها الكتب التعليمية، وخصوصًا في مجال التاريخ والجغرافيا.


وأشارت الباحثة الفلسطينية، أنوار قدح، إلى أن الحرب على المناهج في القدس ليست مجرد خلاف بين مدارس فكرية تتبنى رؤى ومناهج متباينة، إنما هي شكل آخر من أشكال الحرب غير المتكافئة التي تمارسها سلطات الاحتلال في حق شعب محتلٍ يحاول جاهدًا الإبقاء على وجوده، عَبْر إذكاء الذاكرة الجمعية بنقلها إلى أطفاله الذين تفتحوا على مدينة مؤدلجة ينطق عبقها صامتًا بروحٍ عربية، في حين يستنطق حجرها وشجرها العبرية عنوة.

وأضافت "يمثّل التّعليم في القدس ترجمة حقيقية لما تعيشه المدينة من قهر واضطهاد وتمييز في الخدمات، وابتزاز لتمرير خطط الأسرلة والتهويد إلى الناشئة العرب". وقالت: "يرى أهالي الطلبة المقدسيين في مسألة الحفاظ على المنهاج الفلسطيني في مدارس القدس مسألة هوية ووجود لا تحتمل المساومة".

وعن القيمة العلمية للمؤتمر، قال مدير مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات تاريخ بلاد الشام في الجامعة الأردنية، والمحلل السياسي مهند مبيضين، أن المؤتمر "يعاين مسائل الواقع الراهن، وما يعانيه سكان القدس في حياتهم اليومية"، لافتاً إلى أن الأوراق البحثية تعاين الواقع وليس كما يردها الناس فهي أبحاث محكمة، ما يجعله هذا المؤتمر مختلفاً عن الكثير من المؤتمرات التي تتناول مثل هذه القضايا من منطلقات عاطفية وغير علمية.

بدوره، أكد راعي كنيسة الراعي الصالح الإنجيلية اللوثرية ورئيس المجمع الكنسي، القس سامر عازر لـ"العربي الجديد أن "الأهمية العلمية للأوراق البحثية التي تناولها المؤتمر على مدار يومين أنها تهدف لإيجاد حلول علمية لما يواجهه سكان القدس من صعوبات ومضايقات، ومحاولات تفريغ القدس من سكانها العرب.


من جانبه تحدث باحث ومنسق مشروع بحث وتوثيق القضية الفلسطينية في المركز العربي للأبحاث والسياسات معين الطاهر، عن الحضور المميز الذي حظي به المؤتمر، مشيرا إلى أنه يناقش بشكل شمولي القضايا التي تهم سكان القدس.

وقال مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي، أن المؤتمر أكاديمي بحثي من الدرجة الأولى، مشيرا إلى النقاشات المهمة التي حظيت بها جلسات المؤتمر.​