مآسي أرامل إدلب

04 أكتوبر 2019
سوريّة ترعى طفليها (جورج أورفاليان/ فرانس برس)
+ الخط -
تعاني النساء الأرامل في إدلب ضغوطاً اقتصادية واجتماعية عدّة، في ظلّ ضعف الدعم المقدّم لأمثالهنّ من المنظمات المعنية بحقوق المرأة ومكافحة العنف. أمّ جابر من هؤلاء الأرامل، وهي تعيش مع أطفالها الثلاثة ووالديها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تحت أشجار الزيتون في ريف إدلب الشمالي، بعدما نزحت من الريف الجنوبي هرباً من القصف، وسط ظروف إنسانية صعبة جداً. هي لم تتمكّن من تأمين خيمة تأوي إليها مع أولادها ووالدَيها الطاعنَين في السنّ، فيما تعاني الأمرَّين لتوفّر وجبة طعام واحدة في اليوم وبعض الخبز.

تخبر أمّ جابر "العربي الجديد": "اعتقل زوجي قبل نحو سبعة أعوام وانقطعت أخباره تماماً قبل أن نعلم بموته في العام الماضي. حين تركَنا، كنت حاملاً بطفلتي الصغيرة، فيما كان ابني الكبير في الرابعة من عمره وشقيقه في عامه الثاني. كانت أياماً مرعبة وكنت أقضي الليل جالسة خلف الباب، أخشى أن يقتحم الأمن المنزل. وبعد أسابيع عدّة، انتقلنا للعيش مع والدَي. فمنزل أهل زوجي صغير، ويعيش فيه شقيقَا زوجي وعائلتَاهما الكبيرتَان". تضيف أمّ جابر: "أتمنّى لو أنّني بقيت في منزلي. لكنّ كلام الناس كثر. يكفي أن يكون زوج المرأة غائباً حتى تلوكها الألسن. حياتي مرّة ولا شيء يسير فيها على ما يرام، خصوصاً تربية الأولاد في هذه الأوضاع الصعبة، إذ إنّه يتوجّب عليّ أن أكون الأب والأم. وفي النهاية، يأتي من يوجّه إليّ الانتقادات بمجرّد أن يقوم أيّ من أطفالي بتصرّف لا يعجبه، لكنّ أحداً لا يسأل عن أطفال فقدوا والدهم ويعيشون في عوز شديد وبالكاد يحصلون على ما يسدّ رمقهم". وتتابع أمّ جابر: "عشت في خلال السنوات الأخيرة على مساعدات إخوتي وعائلة زوجي. أنا أسكن في بلدة رجالها عاطلون من العمل، فكيف نساؤها؟ في بعض المواسم الزراعية كنت أخرج وأعمل في القطاف، لكنّ تذمّر والدَيّ من أبنائي كان ينتظرني عند عودتي إلى المنزل. وهما يطالبانني بإرسال الأطفال إلى عائلة أبيهم من حين إلى آخر، لعلّني أتزوّج من جديد فأجد بالتالي من ينفق عليّ".



من جهتها، تقيم الأرملة أمّ حسين النازحة منذ أكثر من عامَين في خيمة سقفها من الصفيح في أحد مخيمات ريف إدلب، مع أربعة أطفال أكبرهم لم يبلغ السادسة عشرة من عمره بعد، وذلك في وضع إنساني سيئ. هي تُعَدّ المعيل الوحيد لعائلتها، بعدما قتل زوجها في إحدى معارك ريف حماه قبل أن ينزحوا من جرّاء القصف الكثيف. تقول لـ"العربي الجديد": "أتولّى إعالة أولادي وأقوم بأيّ عمل يتوفّر لي بهدف تأمين احتياجاتهم اليومية. أنا مسؤولة عن كلّ شيء"، لافتة إلى أنّ "العمل يكون في الغالب قاسياً وساعاته طويلة وأجره بخسا". تضيف أمّ حسين: "ولأنّني امرأة فإنّ أجري أقلّ من أجر الرجل. في إحدى المرّات، حاولت الاعتراض، فأجابني صاحب العمل بأنّ لديهم عائلات يريدون إطعامها، وكأنّني أنا أعمل من أجل شراء ملابس جديدة". وتكشف أمّ حسين عن حلمها "بمنزل يأويني مع أطفالي، فالخيمة أشبه بفرن في فصل الصيف، وبثلاجة في فصل الشتاء. وكلّما أمطرت، غرقت أغراضنا وتحوّلت أرض الخيمة إلى مستنقع من الوحل".

أمّ ماهر من هؤلاء الأرامل السوريات كذلك، تخبر "العربي الجديد": "لديّ أربعة أطفال وقد استشهد زوجي في معركة ضدّ النظام (معركة الفتح المبين) في عام 2012. واليوم، أعيش في منزل أهلي، فيما مصدر دخلي الأساسي هو المساعدة المالية التي أتلقّاها من شقيقي، بالإضافة إلى مساعدات توزّع من حين إلى آخر. وأنا أبذل جهداً كبيراً لأوفّر احتياجات أسرتي". تضيف أمّ ماهر: "أعاني كثيراً مع أطفالي من جرّاء انعدام الاستقرار والتشتّت، حتى بعدما وجدت عملاً وشعرت بفرج ولو بسيطا. فالأمور كلها تنعكس سلباً على الأطفال". وتذكر أنّ "حياتي الاجتماعية جيّدة، وثمّة تعاطف من قبل محيطي، خصوصاً أنّني رفضت الزواج وأصررت على البقاء مع أطفالي وحمايتهم. لكنّ عائلة زوجي تحاول الضغط عليّ، وقد وقعت خلافات شديدة في خلال الفترة الماضية، حتى أنّهم حرموا الأطفال من منزل والدهم".

في السياق، تقول المشرفة على قضايا العنف في منظمة "مساحة سلام" في إدلب، صفاء كريدي، لـ"العربي الجديد" إنّ "ثمّة احتياجات عامة وأخرى خاصة للأرامل، منها المال والعمل والإغاثة. وفي مجتمعنا، تحتاج المرأة عموماً والأرملة خصوصاً إلى معيل أو زوج لرعايتها مع أطفالها وإعانتها على تحمّل هموم الحياة". تضيف كريدي أنّ "صفة الأرملة اليوم أشبه بوصمة تعاني منها المرأة في محيطها الذي يتعامل معها بحذر، مثل النساء القريبات منها اللواتي يخشينَ على أزواجهنّ منها. من جهة أخرى، يستضعفها المجتمع، وقد سجّلت حوادث تحرّش واستغلال جنسي وعنف اقتصادي من قبل العائلة وعائلة الزوج على كثيرات، من قبيل الحرمان من الميراث خوفاً من أن تأخذه وتتزوّج بعدها".



وتشير كريدي إلى أنّ "منظمات الحماية تحاول المساعدة من خلال برنامج إدارة الحالة (برنامج تخصصي لحالات العنف القائم على النوع الاجتماعي)، وبرامج تمكين وتأمين سبل عيش، وبرامج توعية للوقاية من أيّ حالات عنف قد تتعرّض لها الأرامل. كذلك تقدّم منظمات إغاثية لهنّ مبالغ نقدية وسلالا غذائية. أمّا جمعيات الكفالة فتقدّم لهنّ كفالات، فيما تقدّم أخرى مشاريع صغيرة". وتشدّد كريدي على أنّ "الأرامل يحتجنَ إلى مشاريع صغيرة وتمكين بشكل أكبر ممّا تقدّمه المنظمات حالياً، علماً أنّ برامج التمكين تكسبهنّ خبرة لكنّها لا تتابع معهنّ"، وتوضح أنّ "فرص العمل للأسف متاحة لفئات معيّنة كالنساء المتعلمات فيما تتعرّض غير المتعلمات إلى الاستغلال. الواحدة منهنّ قد تعمل مثلاً لمدّة 10 ساعات في معمل ما في مقابل أجر زهيد لا يتخطّى 10 آلاف ليرة سورية (نحو 20 دولاراً أميركياً) شهرياً".

تجدر الإشارة إلى أنّ فريق "منسقو الاستجابة" أصدر أخيراً تقريراً بيّن فيه أنّ عدد الأرامل في محافظة إدلب وصل إلى 37 ألفاً و874 أرملة من بين مليون و315 ألف امرأة في المحافظة، ما يساوي 2.88 في المائة.