ليلة أن يخرج عليك أحمد كريمة

15 اغسطس 2015

أحمد كريمة .. يقاتل الجميع إلا الحاكم

+ الخط -
فقيه سلطاني بامتياز، حتى وإن لم يدع إلى السلطنة، ومعارك شرس في سرادقات السلطة، حتى وإن استدعته إيران، أو غمزت له السلطة غمزاً، حتى من بعيد، فالرجل يفهم الإشارات والشفرات، خصوصاً لو جاءته من إلهام شاهين، فعندئذ تكون ليلة سعده ومناه، حتى وإن حارب كل الأئمة على مختلف مذاهبهم، سيحارب في سبيلها بترسه، حتى آخر ملحة، أو بيت شعر، أو إجازة فقه متروكة. 
يقاتل الجميع، إلا الحاكم، يعارك الأزهر نفسه، لو وقفوا في سبيل سفرة، وخصوصاً إلى إيران، وسيارته التي احترقت تعتبر "أم الكوارث" و"أم الأهداف" التي قصدها المتطرفون، مثل هدف مجدي عبد الغني، بل وأغلى مقاماً ورفعة.
رجل لا تلين عريكته أمام الكاميرا أبداً، ويدب من شاشة إلى شاشة، كي يروي مسائل فقهه السلطاني، من سلطنة عمان عربياً حتى إيران، ومن المذهب الإباضي تدريساً، حتى الاثنا عشري أفقاً وانفتاحاً، على الرغم من أنه ابن المذهب الأزهري السني توجهاً، ووظيفة وتدرجاً تدريسياً.
إذا طُلب منه قتال "الإخوان" قاتل من دون هوادة، وإذا غمز له لملاقاة السلف الذين يسميهم "بالمتسلفة"، كان يوم مناه، وإذا داس أحد على طرف 30 -6 استل سيفه، على الرغم من أن السلف هم صلب 30 – 6 وذروة سنامه. ولكن، هي الضرورة، وللضرورة أحكام عند الرجل، فهو فقط يسكت، لأن الحاكم وضعهم في "اللسته"، ومن وضعه شبيه خالد بن الوليد في "اللسته"، فيجب أن يصمت عليه كريمة، حتى وإن غش اللبن. أما لو قال إن فوائد قناة السويس حرام، فسيخرج عليه كريمة ليلاً، حاملاً سيف الفقه، حتى وإن كان ياسر برهامي نفسه.
هو الفقيه السلطاني، ترسه وراء ترس الحاكم، وسيفه وراء سيف الحاكم، وخيله وراء غبار خيل الحاكم، وشبابيكه كلها مفتوحة لانتظار البركة، والبركة تعم في مواسم حصاد الفقه، والرجل دائماً مناجله في استقبال بركة الحصاد.
يعرف الرجل كيفية العراك بالفقه والحديث والآيات، وتلك مصيبة من يعرف، كي يحول فقهه إلى غنائم وغنم تحت إمرة الحاكم. يعرف الرجل كيفية تحميل الآيات الشريفة بمقاصد ومسالك ودروب طالبها، ودائماً ما تكون السياسة هي الطالب، وأصحاب الأغراض في الحياة هم طلابها، كي يسود الحاكم على خصمه الضعيف.
الرجل يجيد الوقوف بالآيات مع المنتصر وصاحب الغلبة، كي تظل عربة الحكم سيّارةً فوق رقاب المخالفين، أو المعارضين.
في بداية معرفتي بمن هم على تلك الشاكلة، كنت في منتصف العشرينيات، ودخلت مسجداً في غير وقت صلاة، لضرورة ما، في مدينة كانت معقل الحركات الإسلامية في منتصف الثمانينيات. وكانوا ثلاثة في حوار شبه عنيف، تحمر فيه الوجوه والخدود معاً، ويعلو العنف في الحديث، إلى درجة أن الشيخ الأول كاد من الغضب أن يأخذ حذاءه ويمشي، وعضو مجلس الشعب هادئ، وكأنه يعرف أن الشيخ مهما غضب لن يفعلها. كان عضو مجلس الشعب متمرساً، وكان هو الأخ الشقيق لوزير حربية معروف، والشيخ الآخر المنتصر ساكت، وكأنه أغاظ الشيخ الذي انفعل، حتي هدأ الاثنان تماماً، وتصالحا في وجوده، بل وتصافيا بالأحضان رغماً عنهما، في نهاية المشاحنة. ذلك كله تم في دقائق، وعضو مجلس الشعب هادئ ومبتسم وظهره مستريح جداً لعمود من أعمدة المسجد. بعدها بسنتين، مسك هذا العضو في قضية قمار شهيرة، فابتسم ابتسامته الأولى في ثلاث من جرائد حسني مبارك الصباحية، وقال: "الكل يعلم أنني كنت وما زلت عضواً قديماً في نوادي القمار العالمية، وهذا مباح لي في كل العالم، ويشربون القضية". والغريب أن العضو نفسه كان فيما بعد، ولسنوات، موضع احترام وتبجيل الشيخين اللذيْن كانا أيضا من مشايخ الأوقاف والسلطان معاً، وجابا البلاد العربية طولاً وعرضاً، وفقها وحديثا، وبركة، مثل أحمد كريمة وأكثر. ومن ساعتها، وقد أدركت أن الدين الذي لا يتمكن من شغاف القلب لا يمكن له أبداً، مهما كان علم صاحبه، أن يتجاوز طرف اللسان.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري