ليس بين الوجود والعدم غير النشيد

03 فبراير 2017
فريد بلكاهية / المغرب
+ الخط -

كنّا في قرية أهل العدم نريد السفر إلى أهل الوجود. لمّا لم نجد الوسيلة ركضنا.
تدلّت الراقصة من حلقة القمر بحبل من حرير. وعيوننا إلى السماء لم ندر بما فتنا؛ القمر أم الراقصة أم حبل الحرير أم النخلة أم نداء الأذان.

وانشغلنا بسؤال واحد هل نصل إلى المقبرة قبل الغروب لنحضر دفن المولود الجديد.

قلت له حان الوقت. وركضنا وسط حقل قمح أخضر. كنا اثنين وثالثنا كلبنا. وكان قد سبقنا للركض أربعة رجال وامرأة وخنثى.

وركضنا غير مشفقين على السنابل والأقاحي وشقائق النعمان.

ركضنا وما زالت الراقصة تتدلى تحت إيقاع السمفونية الخامسة... وكأن المطر ينزل. وبللنا المطر الذي كـأنه ينزل. كل السمفونيات ولدن من حقول القمح وتموّجات السنابل والصبر على تحمّل الوجود.

اركض وإلا دفنوه قبلنا، هم يدفنون دائما موتاهم قبل الغروب. لا يجب أن يفاجأ المستقبلون هناك وقد جن الليل.

وفي الأفق حشود وخيمات ورايات وهتافات تمر وتعود. ثم برق ورعد وطائرات. ثم سكون غادر وخوف في الأحشاء.

الذي مات طفل رضيع سابع الأربعة والمرأة ومزدوج الجنس. لا ولادة طيبة بعد المعتوه قالت الألسن السيئة. لكن البركات حلّت لما ولدت المجنونة وما زال اللعاب يتدلى فيضا من شفتيها. وكل يوم تلعن أشباحا وأشياء تريد أن تحل في القرية وتردها اللعنات. مزدوجة الجنس بركات القرية تكلّم الجن، وتدفن أسرار النساء، وتسلّي الرجال، وتكتب تعازيم تشفي الجراح. ورغم ذلك يرميها الأغبياء بالحجارة. يرميها الأغبياء بالحجارة وتبتسم.

مزدوج الجنس يسخر من المعلّم والحروف الأبجدية والسبورات والدفاتر والأقلام. أوتيت فهم الذكر وشعور الأنثى فاكتملت. وسكنت رجلاي الأرض وحلّت روحي في السماء. تسخره الأبالسة، وطلاسمه من بقايا الوثنيات الغابرة بابل وعاد وثمود. قال الفقيه.

وما زالت السنبلات تجري بجانبنا كأمواج شعر عروس. وما زال الكلب يلهث ونجري ونجري وحبّات السمفونية السبحة انفرطت تذكر بانتصار لم يحدث.
والحشود في الخلفية والرايات والهتافات والزغاريد.

هو الرقص، غير الرقص لا تتكرر نشوته، يصعد بك سلماً إلى باب يفتح على السماء. وهناك تسمع ترانيم المواكب وتعود إلى الأرض وأنت تدرك سرّ الغبطة والحبور.

ووصلنا أخيراً إلى المقبرة. لم نجد أحداً، لقد دفنوه ووزعوا الخبز بدون ملح والتمر وانتهى الأمر. لقد انتظروا لكن الغروب كان مداهماً. دفنوه ونبت اللبلاب على جنب القبر تواً وسكنت قبّرة.

وجلسنا نحن الاثنين والكلب، وأخرجت من جيبي التميمة المصنوعة من الوبر بالعقد الواحدة والعشرين الملفوفة بالصمدية وطوقت بها عنقي وقرأت المعوذتين وبصق صاحبي.

وتدلّى القمر كلّه، أسقطته الساحرات على وجه صحن كبير. ودلقت من الصحن الراقصة المتدلية وأخرجت لسانها والتوت على الحبل الحريري وزغردت: الرضيع لم يمت. ظنّ الفرعون أنه قتله مع جميع الصبيان لكن أمّه أودعته التابوت. وأحبّته زوجة العزيز وربّته في حجرها ليقرّ عين الأمهات، وليعود ويضرب بعصاه البحر. الرضع لا يموتون، يرفعون إلى السماء فحسب، يرفعون بزنابيل من حرير.

وأخرج صاحبي لسانيهما، وأخرج الكلب لسانه: الصبي لم يمت قالت المجنونة.


* كاتب من المغرب

المساهمون