ليث أبو جليل.. لا تأتِ إلى الجامعة

09 مايو 2016
(عماد حجّاج، العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن المحاضر في "جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا" في عمّان، ليث أبو جليل،  يتخيل أن تعليقات ومنشورات سياسية كتبها على صفحته في فيسبوك، عام 2012، في الفترة التي شهد فيها الأردن حراكاً سياسياً، ستكون يوماً ما السبب في إنهاء حلمه في التدريس الأكاديمي؛ إلا أن ذلك ما حصل في النهاية، في قصة تختزل واقع الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية.

أبو جليل، الذي استعانت به عمادة كلية إدارة الأعمال في "جامعة الأميرة سمية" بداية عام 2016، لكي يدرِّس مساق التسويق الإلكتروني لخبرته العملية الطويلة في هذا المجال، ولحمله شهادة ماجستير متخصصة، عُرف منذ بداية تجربته الأكاديمية بأسلوب تدريسه غير التقليدي، الذي يتميز بتركيزه على التجربة العملية ومحاولة تحضير الطلبة عملياً ومعرفياً لاحتياجات السوق في مجال التسويق.

في حديثٍ مع "جيل العربي الجديد"، يقول: "كنت متحمساً لتجربة التدريس الأكاديمي. كانت تجربتي الأولى. اتصلت بي عمادة كلية إدارة الأعمال في الجامعة لمقابلة العميد شفيق حداد الذي طلب مني تدريس الإعلان الإلكتروني؛ ثم طلب مني تدريس مساق آخر". يضيف: "في البداية رفضت، لأني لا أملك الكثير من الوقت بحكم عملي، لكني قبلت في النهاية، وقعت عقد الاستخدام كمحاضر غير متفرغ".

يتابع: "منذ البداية كنت أرغب في أن أقرّب الطلاب إلى سوق العمل، وذلك حتّم عليّ أن يكون معظم تدريسي عملياً، وهو ما حفز الطلبة على الاهتمام بالمادة أكثر؛ لأن معظهم قريب من التخرج، وهذا المساق سيفيدهم كثيراً عند تخرجهم".

هذا القبول دفع عمادة الكلية إلى الطلب من أبو جليل تدريس مساق آخر في الفصل الصيفي المقبل. يقول الأستاذ: "قبل حادثة إنهاء الخدمات، طلب مني رئيس القسم تدريس مادة خلال الفصل الصيفي المقبل، وهذا يدل على الرضا على ما قدمته خلال فترة عملي".

لكن، يبدو أن الرضا عن المستوى الأكاديمي لا يكفي للاستمرار في الجامعات الأردنية، فبعد أيام قليلة فوجئ أبو جليل بمكالمة في ساعة متأخرة من الليل من عميد القسم، يخبره فيها بألا يأتي نهائياً إلى الجامعة. كان ذلك بالتأكيد صادماً بالنسبة للأستاذ الذي تلقى الثناء قبل أيام قليلة.

طلب أبو جليل من عميد القسم تفسير القرار، فسأله: "هل هو بسبب أسلوب تدريسي؟"؛ جاء الجوب بـ لا، وبعد إصراره قال له العميد "راجع منشوراتك على فيسبوك". ثم تبين أنه يقصد المنشورات السياسية التي نشرها الأستاذ قبل أربعة أعوام. وعندما سأله عن مصدر القرار، قال له: "القرار إجا من فوق، من الرئاسة"، يقصد رئاسة الجامعة.

 لا ينكر أبو جليل ميوله السياسية؛ فقد كان ناشطاً سياسياً بين عامي 2011 و2013 في الحراك السياسي الإصلاحي، الذي شهده الأردن في تلك الفترة، وكان يعبر عن آرائه في الشارع، إضافة إلى فيسبوك.

لاحقاً، انضم إلى المبادرة الوطنية للبناء، التي تعرف اختصاراً بـ "زمزم" التي شكلتها مجموعة من القيادات السابقة في جماعة الإخوان المسلمين، والذين عرف عنهم انفتاحهم السياسي على جميع الأطياف في الأردن. مع ذلك، يقول أبو جليل: "المحاضرة الأكاديمية لم تكن مكاناً لآرائي السياسية".

 يضيف: "المشكلة ليست فقط في سبب الفصل، وإنما في الطريقة والأسلوب. هذا ليس سلوكاً أكاديمياً محترفاً. كيف تحرم الطلبة من أستاذهم الجامعي في منتصف الفصل الدراسي؟"، وكان واضحاً حجم الصدمة التي تلقاها الطلبة بخبر فصل أبو جليل، من خلال التعليقات على الفيديو الذي نشره تعقيباً على إنهاء خدماته، إضافة إلى الرسائل الشخصية التي وصلته.

من جهتها، ما زالت الجامعة تصرّ على أن السبب وراء إنهاء خدمات أبو جليل هي أكاديمية بحتة، وجاءت بعد إجراء تقييمها لأدائه واستماعها إلى ملاحظات الطلبة.

يقول بيان الجامعة: "لقد ثبت من خلال ملاحظات بعض الطلبة أن سلوكه المهني والأكاديمي لا يتّفق مع سياسة الجامعة الحريصة على تميّز طلبتها، واستغلال مدة الحصة الصفيّة للمادة العلمية وليس لقضايا جانبية"، مفسّرةً: "أما قضية أنه تم الاستغناء عنه لآرائه السياسية فهو غير صحيحٍ البتّة؛ إذ لا نعرف للسيد ليث أي انتماء سياسي حتى تتمَّ مُحاسبته عليه".

تستطيع قصة أبو جليل أن تعطينا لمحة عن واقع الحريات الأكاديمية في الجامعات الأردنية، التي تقول دراسة أعدها "المركز الوطني لحقوق الإنسان" عام 2013 أن 53% من الهيئات التدريسية في الأردن ترى أن هناك خطوطاً حمراء تضم مواضيع لا يمكن مناقشتها علناً وبحرية، كم أن 44% من العينة نفسها ترى أن الحكومة تفرض وصايتها على المناهج والبرامج التعليمية عبر أدواتها القانونية، كما يرى 35% من المشاركين في الهيئات التدريسية في الأردن أن الحكومة تفرض وصايتها على الجامعات عبر الأجهزة الأمنية.

دلالات
المساهمون