ليبيا والمغرب.. الكرة وقدم المستعمِر

22 يونيو 2014
من ذاكرة بنغازي الكروية
+ الخط -

يغرم الليبيون، خاصة في العاصمة طرابلس، بالمعكرونة وكرة القدم الإيطاليتين. لا ندري ما سبب التعلق بكل ما هو إيطالي، لا سيما أنه بات لدى بعض الليبيين مدعاة للفخر والتميز. أهي العلاقة السيكولوجية بين الجلاد والضحية وما تفضي إليه من تداعيات وتحليلات، بعد ذلك الاستعمار الطويل الذي بدأ في العصر الروماني، ثم عاد ليتجدّد في عام 1911 ويستمر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية بهزيمة دول المحور، بما فيه من دماء ومشانق بحق الليبيين، وصلت ذروتها بشنق شيخ الشهداء عمر المختار في قرية سلوق عام 1931؟

الكاتب الليبي محمود رقص، الذي يشجع المنتخب الإيطالي، يقول لـ"العربي الجديد": "المسألة الآن هي ترك كرة القدم لكرة القدم، والسياسية للسياسة". وحول ما ناله الليبيون من ظلم إبان الاحتلال الإيطالي يضيف رقص: "لا يمكن أن نضع جيل الفاشيّة الإيطالية وجيل إيطاليا الحالي في نفس الكفة، لكل جيل خصوصياته، ولا يمكن أن نعمم في مثل هذه الأمور على شعب بالكامل. ثم إن الأمر نفسه يحدث مع بعض المغاربة والتوانسة الذين يشجعون إسبانيا أو فرنسا. على العموم دعنا الآن في كرة القدم، ولنشجع إيطاليا ما دام المنتخب الليبي غير موجود في بلاد السامبا!".

أسباب كثيرة وطّدت عشق الليبيين لكل ما هو إيطالي: القرب الجغرافي، جودة الصناعة، قهوة "المكياطا"، الروح النبيلة المتسامحة التي يتميز بها الشعب الليبي التي جعلته ينسى الدم والثأر والتاريخ الأسود، ويفتح صفحات جديدة من خلال الاحتفاء بالفن والرياضة والثقافة. أجواء إيطالية أخرى في مجالات عدة يحبها الليبيون: ليوناردو دافنشي، ألبرتو مورافيا، أمبرتو إيكو، سيارات "الإفيكو"، بنادق "الإمبريتا" التي إن سقطت أرضا تطلق النار عشوائياً في كل الاتجاهات، لاعب كرة القدم جنتيلي المولود في طرابلس عام 1953، والذي راقب مارادونا في كأس العالم 1982 في إسبانيا وشلّ خطورته.

هل صحيحٌ أننا نشجع الفرق الرياضية للدول التي استعمرتنا زمناً ما: مصر تشجع المنتخب الإنجليزي، تونس والجزائر تشجعان منتخب الديوك الفرنسي، المغرب تشجع المنتخبين الإسباني والفرنسي، ليبيا تشجع المنتخب الإيطالي؟ علاقة الشعوب بثقافة مستعمريها السابقين ميدان خصبٌ للتساؤلات، الصحافي الرياضي الليبي عياد العشيبي يجيب "العربي الجديد": "هناك دول أوروبية ما زالت تمارس وصاية على مستعمراتها القديمة، إيطاليا تركت هندستها وتخطيطها في ليبيا، واستمرت في الدفع نحو علاقة متينة وخصّت ليبيا بـ"رعاية اقتصادية"، كما دافعت عن نظامها، ولم ينقطع الوصال إلى الآن، لذا تجد أن لغة المستعمِر وعاداته وتقاليده تأخذ حيزاً ومكاناً لدى المستعمَر.

ويضيف العشيبي: "فرنسا تقدّم المنح والمساعدات والقروض والتأشيرات الخاصة بالعمل والاستثمار للمستعمرات القديمة. أهل طرابلس لهم غرامهم الخاص بالطليان، يتجلى ذلك في شخصيتهم وملابسهم وبيوتهم وأكلاتهم وموسيقاهم، لقد جاوروهم مدة طويلة وعملوا معهم. ومن خلال الدوري الإيطالي الذي يحتل المرتبة الأولى في المتابعة بليبيا، نلاحظ كيف يتسع التشجيع حيث تصاحبه متابعه دقيقة لأخبار النجوم، ومن الطبيعي عندما يلعب الطليان في كأس العالم أن يكون التشجيع لهم، ولنجومهم المحبوبين في ليبيا مثل روبيرتو باجيو ودوليبيري، والآن نجم خط الوسط أندريه بيرلو".

الرياضة تجعلك تنسى التاريخ السيئ والمشاكل القديمة وتفتح صفحات جديدة، فهي في النهاية رسالة مرح وصحة ومتعة ولهو. ومهما حاول السياسيون أن يلعبوا بورقتها ألعاب الدم والمال والسلطة، كما حدث منذ أربع سنوات بين مصر والجزائر، وما صاحبها من أحداث مؤسفة أجّجها إعلام الأنظمة.

في المقابل، وجدت الشعوب التي استُعمِرت مجالاً لمقاومة المستعِمر من خلال كرة القدم، كما حدث أثناء ثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، حيث صار الفوز على فريق فرنسي من قبل فريق "جبهة التحرير الجزائرية" بمثابة الانتصار العسكري الذي عجّل بالاستقلال.

ولا زلنا نذكر اللاعب عمر بتروني في المباراة النهائية مع منتخب فرنسا، في بطولة البحر المتوسط بالجزائر، حيث كانت فرنسا فائزة على الجزائر والمباراة في الدقيقة التسعين الأخيرة، إذ خرج الجمهور والرئيس الراحل هواري بومدين من الملعب، حتى لا يضطر للوقوف أمام النشيد الفرنسي الذي سيعزف إذا انتهت المباراة بفوز فرنسا.

بتروني، في الوقت القاتل، أحيا الأمل ولم ييأس، وانطلق بكرة في هجمة خاطفة استطاع أن يسكنها الشباك، ليُغمى على عدد من الجزائريين فرحاً، وليعود بومدين إلى المنصة ولتفرح الجزائر وكل الشعوب العربية بهذا النصر المستحق الذي جلبته الرياضة، لينطلق ويولد الشعار الذي تتغنى به الجماهير، إلى الآن، في كل مبارياتها: "ون تو ثري.. فيفا لالجيري".

دلالات
المساهمون