ليبيا وأجندات دول الجوار: مصالح قريبة وبعيدة

28 اغسطس 2014
من الاجتماع الأخير لدول جوار ليبيا في القاهرة(محمد حسام/الأناضول/Getty)
+ الخط -
لم تقدم المبادرة المصرية حول ليبيا، التي أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري عنها في القاهرة، أثناء اجتماع دول جوار ليبيا، الإثنين الماضي، جديداً على مستوى تخفيف التوترات الأمنية في ليبيا، بقدر محاولتها جمع دول أخرى معها في الاصطفاف ضد تيار أطراف رئيسية في ثورة 17 فبراير/شباط.

يرى متابعون أن الدول التي اجتمعت في القاهرة (تونس، الجزائر، السودان، النيجر وتشاد) متباينة المواقف، ولا يمكن جمعها على رؤية مشتركة حول الوضع الليبي الذي تختلف حوله أيضاً دوائر صنع القرار في كبريات دول العالم، إذ إن لكل دولة من دول الجوار الليبي مصالحها وحساباتها التي تتحكم في موقفها. ومن بين جميع هذه الدول، يشير مراقبون إلى أن الموقف المصري ما بعد بعد انقلاب يوليو/تموز 2013، هو الأكثر وضوحاً تجاه ليبيا لناحية دعم أطراف معادية لكتائب رئيسية في ثورة 2011. ويشيرون إلى أن القاهرة ستواصل دعم تيار "الثورة المضادة" في طرابلس، مستدلين على ذلك بالتصريحات التي وردت على لسان مسؤولين أميركيين لصحيفة "نيويورك تايمز" حول تورط مصر والإمارات في توجيه ضربات عسكرية لمواقع قوات "فجر ليبيا" في العاصمة طرابلس. قوات، بحسب تحليلات دوائر عربية وغربية مهتمة بظاهرة الإرهاب والتطرف في العالم، لا تنتمي إليها مجموعات إسلامية متشددة، بل إن "فجر ليبيا" نفسها أعلنت عدم وجود متطرفين بين صفوفها ونبذها الإرهاب.


كما يرجّح أن يستمر الدعم المصري لمجلس النواب ولحكومة عبد الله الثني أو أي حكومة يكلفها مجلس النواب الليبي، فضلاً عن تأهيل قوات الجيش والشرطة. وجميع هذه المؤسسات التي تلقى دعماً مصرياً، لا تعدو في نظر "فجر ليبيا" و"مجلس شورى الثوار ببنغازي"، كونها سوى مسميات دالة على "الثورة المضادة" التي تتمثل برأي هؤلاء، في مجلس النواب المنعقد في طبرق. في مقابل الموقف المصري الواضح، يرى مراقبون أن النظرة التونسية إزاء ليبيا تعاني من صراع مؤسسات الحكم في العاصمة تونس، بين موقف مؤسسة الرئاسة القائم على معارضة كل من اللواء خليفة حفتر وحليفه محمود جبريل وحلفائهما من قوات عسكرية، وداعمة لروح ثورة فبراير/شباط، من جهة، وبين موقف الحكومة المتذبذب تجاه ليبيا من جهة ثانية. فقد استجابت حكومة مهدي جمعة لطلب حكومة عبد الله الثني في إغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الآتية من مطار سرت ومطار معيتيقة في طرابلس ومطار مصراتة، والأخيران واقعان تحت سيطرة قوات "فجر ليبيا".

لهذه الأسباب،، يرى المتابعون أن مثلث مصر الإمارات السعودية، لا يحتاج إلى أكثر من موقف تونسي محايد في ليبيا ويستجيب أو يقدم بعض التعاون لحكومة الثني. تردد جزائري أما الموقف الجزائري، فيرى متابعون أنه قائم على معارضة السياسات الأمنية المصرية في ليبيا، إذ إن الجزائر لها حساباتها المعقدة والمتعلقة بالحدود مع ليبيا التي تبلغ تسعمئة كيلومتر، ويصعب على أي جيش في العالم ضبطها في حالة أي تدخل عسكري في ليبيا وانهيارها بالكامل. كما أن الموقف الجزائري الرافض للتدخل الأجنبي في ليبيا له حسابات أخرى، إذ من الممكن أن تضع الجزائر نفسها تحت طائلة هذا التدخل في حالة نشوب ثورة شعبية فيها. وهو أمر بحسب مراقبين ليس مستبعداً نظراً لإخفاق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في ملفات متعلقة بحقوق الإنسان والحريات السياسية والفقر والبطالة في بلد ثرواته ضخمة، إلا أنه يقع تحت حكم جنرالات الجيش.


في بنظر بعض المحللين، فإنه يمكن للجزائر، التي ترفض رفضاً قاطعاً التدخل الأجنبي من قبل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، ألا تمانع مثل هذا التدخل في حالة استطاع الرئيس عبد الفتاح السيسي إقناعها بتدخل "تحت سقف"، وبقوات عربية. لذا، لا تحاول القاهرة إعلان خلافاتها مع الجزائر أملاً في انضمامها لمعسكر محاصرة ثوار ليبيا من اتجاه الغرب. رفض سوداني في المقابل، يمتلك السودان حسابات مختلفة، تتصدرها خشية نظام الرئيس عمر البشير من عودة التحالفات السابقة لنظام معمر القذافي، والتي كانت قائمة على دعم الجماعات المتمردة في السودان، إذ عُرف عن نظام القذافي دعمه لانفصال جنوب السودان وعلاقاته بالحركة الشعبية لتحرير السودان وحركة العدل والمساواة في إقليم دافور، الذي يعاني من حرب أهلية منذ عام 2003.

وشعرت الخرطوم بارتياح كبير عندما اندلعت ثورة 17 فبراير/شباط، بل وساعدت الثوار الليبيين على إنهاء حكم العقيد الراحل معمر القذافي. لذا قررت الحكومة السودانية السير في طريق دعم الثوار الليبيين، ووصل الأمر إلى اتهام دوائر غربية النظام السوداني بدعم قوات "فجر ليبيا" عسكرياً، وتقديم الخبرة لهم في مجال إدارة العمليات العسكرية. لذا ليس متصوراً أن ينضم السودان إلى الحلف المصري ــ الإماراتي في ليبيا. أما في ما يتعلق بكل من تشاد والنيجر، فرغم ضعفهما العسكري والاقتصادي، إلا أنهما تاريخياً وسياسياً يدوران في فلك السياسات الفرنسية، وهي سياسات قائمة على إرث استعماري في الجنوب الليبي.

وبحسب مراقبين، فإن فرنسا دعمت حزب تحالف القوى الوطنية لرئيس الوزراء السابق، محمود جبريل، أملاً في أن يكون وكيلها في ليبيا. ومن المتوقع، بحسب مراقبين، أن تكون تشاد والنيجر ضمن القطب الفرنسي القائم على دعوى "محاربة الإرهاب" لخلق مواطئ قدم لها على الأقل في الجنوب الليبي، وهو ما يقترب من الأمل المصري في ضرب ليبيا وجعلها ساحة ممزقة إلى ما لا نهاية.