حذر مُحللون اقتصاديون من وقوف ليبيا على أعتاب انهيار اقتصادي خلال العام المقبل 2015، بسبب انخفاض الإيرادات النفطية وتدني أسعار الخام في السوق العالمية وتضخم العملة خارج المصارف، وبلوغ الدين العام 19 مليار دينار (14.4 مليار دولار).
وتواجه ليبيا حالة من الانقسام المالي على خلفية الصراعات السياسية، حيث تسلمت حكومة الإنقاذ الوطني التابعة للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته، جميع حسابات الوزارات في طرابلس، وتقوم بالصرف من الميزانية على النفقات الحكومية، في حين تعقد حكومة عبد الله الثني، التابعة لمجلس النواب المُنعقد بطبرق، جلساتها في مدينة البيضاء، وتمارس عملها هناك، رغم وجود جميع أرصدة الدولة في العاصمة، وذلك رغم حكم المحكمة الدستورية العليا الليبية، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بعدم دستورية انعقاد جلسات هذا المجلس.
كما يواصل محافظ المصرف المركزي الليبي، الصدّيق الكبير، مهام عمله في طرابلس، رغم عزله من قبل مجلس النواب بطبرق، في حين يمارس محافظ آخر للمصرف مكلف من قبل حكومة عبد الله الثني مهامه بمدينة البيضاء شرق البلاد.
وقال أحمد أبو لسين، عميد كلية الاقتصاد، في جامعة طرابلس لمراسل "العربي الجديد"، إن ليبيا على شفير الانهيار الاقتصادي خلال العام المُقبل في حالة عدم وجود استقرار سياسي. وأشار إلى ضرورة العمل على عدم تفاقم الدين العام البالغ 19 مليار دينار وتثبيت سعر صرف الدينار وتفنين سحب العملة من المصارف للسيطرة على المعروض النقدي البالغ 20 مليار دينار (15.1 مليار دولار).
وأكد أن توسع ليبيا في الإنفاق المالي بغرض الاستهلاك فقط دون إنتاجية، في ظل تراجع إيرادات النفط وانخفاض أسعاره عالمياً يدفع البلاد إلي الإفلاس.
وذكر أنه لا بد من إيجاد حلول لرفع الإيرادات، خاصة أنه من المخطط رفع الدعم خلال العام المُقبل وفي حال تطبيق هذه الخطوة سترتفع الأسعار، ما يجعل من خطوة رفع الدعم آثارا سلبية جداً، ولا سيما في ظل التطاحن الدموي في مختلف أنحاء البلاد، مؤكداً أن دول العالم توفر الدعم على السلع في حالة الحروب والنزاعات.
وتعاني ليبيا صراعاً مسلّحاً في أكثر من مدينة، ولا سيما العاصمة طرابلس شمال غرب ليبيا، وبنغازي (شرق)، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد، لكل منهما مؤسساته.
ويعكف مصرف ليبيا المركزي والذي مقره طرابلس، على إعداد مجموعة من السيناريوهات المحتملة لمواجهة الأوضاع الحالية لضمان استقرار الأسعار، والقائمة على سعر صرف الدينار الليبي، فضلاً عن اقتراح السياسات النقدية للعام 2015.
وأوضح بيان للمصرف نهاية الأسبوع الماضي، أن لجنة استشارية اقتصادية تابعة للمصرف تناولت تقييم الأوضاع الاقتصادية والمالية في ليبيا وأوضاع المالية العامة، على ضوء الموازنات العامة للدولة المعتمدة خلال الثلاث السنوات الأخيرة والمستجدات بشأن أسعار النفط والكميات المصدرة منه، وأثر ذلك على موارد الدولة من النقد الأجنبي واحتياطيات المركزي.
وقال مصدر في اللجنة لـ "العربي الجديد" إن اللجنة تدرس تغطية الموازنة العامة من خلال الاقتراض من المصارف التجارية في حالة تراجع إنتاج نفط ليبيا إلي مستويات متدنية. وأشار المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن هناك نية لرفع الدعم السلعي بشكل تدريجي، بالإضافة إلى إيقاف مشروعات التنمية في الموازنة العامة للعام المُقبل وقصر الصرف في الموازنة على المُرتبات وبعض السلع المدعومة والنفقات التشغيلية في نطاق العلاج في الخارج ومنح الطلبة.
وتنفق الحكومة في ليبيا نحو 1.6 مليار دينار (1.3 مليار دولار) شهرياً كرواتب لموظفيها، والبالغ عددهم قرابة 1.25 مليون موظف حكومي.
وتوقعت دراسات غير رسمية بشأن الإنتاج النفطي الليبي خلال العام المُقبل، ببلوغ إيرادات النفط 18 مليار دينار (13.6 مليار دولار)، وذلك حال إنتاج 800 ألف برميل يوميا، وفي حال وصوله الي 1.5 مليون برميل يومياً تبلغ الإيرادات 56 مليار دينار (42.4 مليار دولار)، وفقا لمتوسطات أسعار تقترب من الأسعار الحالية عالمياً.
وتعاني صناعة النفط في ليبيا، والتي تعد أكبر مصادر النقد الأجنبي، من مشكلات عديدة، وبلغ الإنتاج قرابة 1.4 مليون برميل نفط يومياً حتى منتصف 2013، قبل استيلاء مسلحين على موانئ نفطية شرق البلاد، لينخفض الإنتاج إلى 700 مليون برميل حالياً.
وتعتمد ليبيا على إيرادات النفط في تمويل 95% من نفقاتها سنوياً، على الأقل، يُخصص أكثر من نصفها لرواتب موظفي القطاع العام والدعم الحكومي لعدد من السلع الأساسية، بينها الخبز والوقود وخدمات، مثل العلاج في المستشفيات بالمجان وكذلك العلاج في الخارج.
وحسب وزارة النفط الليبية، يوم الإثنين الماضي، فإن إنتاج البلاد من النفط تراجع إلى 550 ألف برميل يومياً، وذلك مقارنة بمستواه نهاية الأسبوع السابق الذي سجل 800 ألف برميل يومياً.
ولم يقتصر الصراع في ليبيا على دروب السياسة، وإنما انتقل بشكل واضح مؤخراً إلى النفط، بعدما قالت وزارة النفط بحكومة طرابلس إنها ستتخذ إجراء قانونياً ضد مشتري الخام، إذا تجاوزوا المؤسسة الوطنية للنفط التي تتخذ من العاصمة مقراً لها، ما يجعل القطاع النفطي الذي تعتمد عليه الدولة في إيراداتها، وسط بيئة مرتفعة المخاطر، وفق محللين في مجال الطاقة.
وجاء تحذير وزارة النفط في حكومة الحاسي، رداً على تعيين حكومة الثني رئيساً بديلاً للمؤسسة الوطنية للنفط في طبرق.
وتسببت تعيينات الجانبين في إحداث حالة من الارتباك والحيرة بشأن من يمثل ليبيا في اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في فيينا نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ومن يسيطر على صادرات وإيرادات النفط في البلاد.
وتصنف ليبيا كثاني منتج للنفط في أفريقيا بعد نيجيريا، ويبلغ الاحتياطي النفطي بـ 47.1 مليار برميل، إلا أن الطاقة الإنتاجية الحالية تمثل 50% من الطاقة الإنتاجية الطبيعية للبلاد مقارنة بعام 2012 والتي بلغت وقتها 1.5 مليون برميل يومياً.
وبلغت إيرادات النفط حتى نهاية سبتمبر/أيلول 9.5 مليارات دولار، فيما وصل الإنفاق إلى 23.2 مليار دولار.
وكان المؤتمر الوطني العام أقر الموازنة العامة، للعام الجاري، بقيمة 46.2 مليار دولار، بعجز قدره 13.2 مليار دولار، فيما قلص مجلس النواب في طبرق الموازنة إلى 40 مليار دولار.