تجلّت في شوارع العاصمة الليبية طرابلس وعدد من المدن، على مدار الأيام القليلة الماضية، مشاهد اصطفاف طوابير طويلة من المواطنين أمام المخابز، بعدما اضطرت بعضها إلى الإغلاق، بسبب نقص الدقيق، في أزمة لم يعتد سكان البلد الغني بالنفط المرور بها إلا في ظل تصاعد الصراع المسلح الذي تشهده البلاد منذ العام الماضي، بين قوات الكرامة التابعة للمؤتمر
الوطني، وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وأدى تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد إلى توقف المطاحن، ومعاناة المخابز من الحصول على دقيق، ونقص حاد في العمالة الوافدة بعد مغادرة أعداد كبيرة منهم البلاد.
وحسب إحصائيات رسمية، يعمل 20 مطحناً فقط من إجمالي 57 مطحناً في ليبيا، والباقي أغلق أبوابه، بسبب مستحقاته المتراكمة لدى صندوق موازنة الأسعار الحكومي، الذي أعلن، الشهر الماضي، عن موافقة مصرف ليبيا المركزي على صرف 200 مليون دينار ليبي (153.84 مليون دولار) لصالح الصندوق الذي يخضع لوزارة الاقتصاد الليبية، لتسديد مستحقات مصانع الدقيق لعام 2013.
وقال مدير صندوق موازنة الأسعار الحكومي، جمال الشيباني، لـ"العربي الجديد"، إن السبب الرئيسي في أزمة الخبز، خلال الفترة الأخيرة، يرجع إلى نقص حاد في العمالة الوافدة التي تقوم بنقل الدقيق إلى المخابز، وأكد أنه ستتم مُعالجة الأزمة خلال الأسبوع الجاري.
وبدأت آلاف العمالة الوافدة المصرية الموجودة في ليبيا، في مغادرة البلاد، بعد نشر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مقطعاً مصوراً لذبح 21 مصرياً مسيحياً خطفهم سابقاً في مدينة سرت. وكرَّرت السلطات المصرية نداءها للعاملين الموجودين في ليبيا بالعودة إلى بلادهم، ولم يقتصر الأمر على مغادرة العمالة المصرية فقط، بل لحقتها العمالة الأفريقية والتونسية نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد.
وحسب مدير صندوق موازنة الأسعار، فإن استهلاك الدقيق في ليبيا مرتفع جداً، إذ يقدّر بنحو 280 ألف طن شهرياً، منها 160 ألف طن تستهلكها المخابز، و120 ألف طن توزع على المواطنين عبر الجمعيات الاستهلاكية.
وصندوق موازنة الأسعار صندوق عام، تأسس من أجل تحقيق استقرار في أسعار السلع والخدمات، وتوفيرها بتكلفة مناسبة لجميع المواطنين.
وتستهلك ليبيا البالغ سكانها نحو 6.6 ملايين مواطن، نحو مليوني طن سنوياً من القمح،
تستورد الحكومة 90% منه من الخارج، وعادة ما يحتفظ صندوق موازنة الأسعار بنحو 136 ألف طن احتياطي من الإنتاج، وتدعم ليبيا أسعار الخبز للسكان بسعر سنتين للرغيف الواحد.
ومن المتوقع ألا يقل الطلب السنوي لليبيا على استيراد القمح عن مليوني طن سنوياً في الفترة بين عامي 2015 و2020، بزيادة 10% عن واردات العام الماضي 2013، وفق تقديرات حكومية.
وحسب مجلس الحبوب العالمي، فإن ليبيا تصدرت قائمة الدول المستوردة لسلعة الدقيق عالميا خلال السنوات الماضية، فقد بلغت واردات الدقيق خلال عام 2007 نحو 115 ألف طن من كندا، كما استوردت من الاتحاد الأووربي 440 ألف طن من القمح في ذات العام.
ووفقا لشركة المطاحن والأعلاف، فإن إنتاج الحبوب وصل إلى 150 ألف طن للعام الماضي.
وذكر مجلس الحبوب في تقارير سابقة، أن إجمالي واردات ليبيا من القمح عام 2008 وصل إلى 1.4 مليون طن، مقارنة بمليون طن عام 2007، ونحو1.7 مليون طن عام 2014. ووفق تقديرات المجلس، فإن ليبيا تجاوزت واردات العراق التي بلغت 800 ألف طن، وأفغانستان 600 ألف طن.
وفي مطلع عام 2009 سمحت ليبيا بتأسيس شركات مطاحن خاصة في تصنيع الدقيق في
السوق المحلي وصلت إلى عشرين مصنعا، وذلك لتلبية احتياجات السوق، وتقليل عملية الاستيراد، ومن أجل تحقيق الكميات الاستراتيجية من محاصيل الحبوب والأعلاف، بالإضافة إلى الشركة الوطنية للمطاحن والأعلاف "الحكومية" والتي تمتلك خمسة مصانع تصل طاقتها الإنتاجية 1710 أطنان في اليوم.
وتراجع إنتاج ليبيا من الحبوب خلال العام الماضي إلى 150 ألف طن من القمح والشعير، بينما كانت التوقعات تصل إلى 250 ألف طن، على أساس أن مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب تصل إلى 186 ألف هكتار.
وتساهم الزراعة بنسبة 7.3 % فقط من الناتج المحلي القومي للبلاد، وتشكل الأراضي الصالحة للزراعة نسبة 3 % من إجمالي مساحة 1.75 مليون كيلومتر مربع.
اقرأ أيضاً: ليبيا تشكو ارتفاعا جنونيا في الأسعار