يُشكِّل برنامج "ليالٍ عربية"، الذي يعتبره "مهرجان دبي السينمائي الدولي" بمثابة الواجهة العربية الأبرز في مسابقاته ونشاطاته المختلفة، إطلالة سينمائية على أبرز النتاجات الحاصلة في العالم العربي، أو عنه. والبرنامج، إذْ ينفتح على اختبارات شبابية أيضاً، يطمح إلى ما يُشبه التوثيق البصري لآخر الأعمال المصنوعة حديثاً، أي قبل فترة قصيرة على إقامة كلّ دورة من الدورات السنوية للمهرجان.
والمهرجان، إذْ تُشدِّد إدارته على "ليالٍ عربية" كجزء فاعل في كل دورة، يُحيل المضمون الثقافي ـ الفني ـ الجمالي للبرنامج إلى حالة تعيش ارتباكات صناعتها لأسباب عديدة، لكنها، في الوقت عينه، تحتوي على مؤشّرات شبابية، تستكمل مسارها الإبداعي بإنجازاتٍ متطوّرة، يستضيفها البرنامج نفسه لاحقاً، كمن يُتابع المسار السينمائيّ لهذا المخرج أو تلك المخرجة، بدلاً من الاكتفاء بمجرّد عرضٍ عابر لعمل واحد.
البرنامج أساسيّ في "مهرجان دبي السينمائيّ الدولي"، يحتفي بالسينما العربية، من دون التقوقع في مساحتها الخاصّة، إذْ يرغب منظّمو المهرجان والبرنامج معاً في جعل المساحة هذه حيّزاً لتواصل أبعد من الجغرافيا العربية. لهذا، يتضمّن البرنامج أفلاماً لمخرجين غير عرب، تُنجَز عن العرب بعيونٍ غربية، لن تكون أسيرة لغة استشراقية باهتة، بقدر ما تتوغّل في أعماق البنيان العربي المتكامل، جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً وإنسانياً وثقافياً.
وهذا، إنْ يدلّ على شيءٍ، فهو يعكس مفهوماً للتواصل يستند المهرجان الإماراتي الدولي عليه: السينما لغة مشتركة، والجغرافيا العربية نابضةٌ بحكايات وحالات وقصص، والبرنامج حوارٌ بين ثقافات مختلفة، كما يُصرّ مسؤولو المهرجان على تكراره، والعمل به.
التحضيرات التي يقوم بها مسؤولو "ليالٍ عربية"، قبل أسابيع قليلة على إقامة الدورة الثالثة عشرة (7 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) للمهرجان، تكشف بعض أبرز العناوين، التي تبدو مواضيعها مثيرة لسجالٍ نقدي، لن يُحْصَر بالحكاية وآلية معالجتها وكيفية تناولها فقط، بقدر ما يمتدّ إلى الشكل السينمائيّ أيضاً. وإذْ يحتلّ لبنان مرتبة أساسية في اللائحة الأولى للأفلام المختارة للبرنامج، بمشاركته بفيلمين اثنين هما "محبس" لصوفي بطرس و"المسافر" لهادي غندور، من دون تناسي الفيلم الفرنسي "ورقة بيضاء" لهنري برجيس، المُصوَّر في لبنان، والذي يمثّل فيه لبنانيون، مع أنّ أحداثه تدور في أجواء عامة؛ فإن الفنان التشكيلي الإيطالي يوري أنكاراني سيكون حاضراً بفيلم "التحدّي"، الذي يتّخذ من صيد الطيور الجارحة مدخلاً إلى قراءة بصرية لعالمٍ رياضي مفتوح على الثقافة والاجتماع، في قلب صحراء قطر. فهو، عبر الرياضة هذه، التي تعود بداياتها إلى سنين مديدة، يكشف شيئاً من تاريخها، ومن كيفية تمكّنها من تحصين نفسها من الزوال.
من جهتها، تستعيد صوفي بطرس شيئاً من أهوال الحرب الأهلية اللبنانية وتأثيراتها المستمرة لغاية اليوم، من خلال حكاية سيدة تقوم بالترتيبات اللازمة للاحتفال بخطوبة ابنتها الوحيدة، في ظلّ مناخٍ عابقٍ بالموت والخراب، إذْ تتوزّع صوُر شقيقها، المتوفى قبل عشرين عاماً أثناء تلك الحرب، في أرجاء البيت، وتحتلّ الذكريات المؤلمة عن الفراق والكراهية والنزاعات مساحةً كبيرة في يوميات تلك العائلة، المقيمة في بلدة جبلية.
أما هادي غندور فيختار، هو أيضاً، بلدة جبلية كحيّز لسرد حكايته السينمائية، ليطرح أسئلة الهجرة والعلاقة بالمكان والانفعال والحلم، عبر رجل متزوّج يريد السفر إلى باريس، لكنه يعيش ارتباكاً واضحاً جرّاء الأسئلة التي تتنازعه وتدفعه إلى دروبٍ لن تُسهِّل عليه أحوال العيش.
في المقابل، يغوص هنري برجيس في عالم القمار والصداقة النسائية، متابعاً حكاية سيدتين تنغمسان في هذا العالم، في مجتمع لا يستسيغ هذه اللعبة أصلاً، لشدّة تأثيراتها السلبية القاتلة على الفرد وعلاقاته. فالسيدتان تريدان القمار في محاولةٍ للتحرّر، ولو قليلاً من الحياة الزوجية والعائلية. لكن للقمار مساوئ كثيرة، لن يكون الإدمان عليه أخطرها.
اقــرأ أيضاً
الحراك السوري، خصوصاً في بداياته السلمية منذ 18 مارس/ آذار 2011، حاضرٌ في "استعراض الحرب" للدنماركي أندرياس دالسغارد والسورية عبيدة زيتون، اللذين يُصوّران التظاهرات الأولى، وبعض التفاصيل الحياتية لمشاركين فيها. وهجرة ثلاثة أشقاء عراقيين من كردستان إلى ألمانيا جزءٌ من حكايات "ليال عربية"، عبر الفيلم الجديد "منزل بلا سقف" لصولين يوسف، الذي يعود بهم إلى بلدهم لدفن والدتهم، فيكتشفون أحوالاً جديدة عنهم وعن بلدهم نفسه. وقطاع غزة، بحصاره وعزلته عن العالم وحالة البطالة التي يعيشها شبابه، أمورٌ يعالجها فيليب غندت وميكي يمين في "نادي غزة للتزلّج" (ألمانيا)؛ في حين أن الجزائري الفرنسي رشيد جعيداني، المتعاون مع الممثل الفرنسي جيرار دوبارديو في "جولة فرنسية"، يطرح أسئلة الصداقة بين الأجيال، وتواصل الأجيال أو تصادمها، من خلال قصّة مغنّي "راب" شاب يعمل سائقاً لدى رجلٍ على مشارف الشيخوخة.
هذا جزءٌ من برنامجٍ، يقول مسؤولوه إنه يتضمّن أعمالاً تعكس أحوالاً عربية آنية، وإنْ تكن الذاكرة مدخلاً إلى استعادة شيءٍ من التاريخ، في حين أن الخلافات، في الثقافة والتقاليد والأفكار والهواجس والحالات، ستكون معالمَ أساسية للبرنامج والمهرجان معاً.
اقــرأ أيضاً
والمهرجان، إذْ تُشدِّد إدارته على "ليالٍ عربية" كجزء فاعل في كل دورة، يُحيل المضمون الثقافي ـ الفني ـ الجمالي للبرنامج إلى حالة تعيش ارتباكات صناعتها لأسباب عديدة، لكنها، في الوقت عينه، تحتوي على مؤشّرات شبابية، تستكمل مسارها الإبداعي بإنجازاتٍ متطوّرة، يستضيفها البرنامج نفسه لاحقاً، كمن يُتابع المسار السينمائيّ لهذا المخرج أو تلك المخرجة، بدلاً من الاكتفاء بمجرّد عرضٍ عابر لعمل واحد.
البرنامج أساسيّ في "مهرجان دبي السينمائيّ الدولي"، يحتفي بالسينما العربية، من دون التقوقع في مساحتها الخاصّة، إذْ يرغب منظّمو المهرجان والبرنامج معاً في جعل المساحة هذه حيّزاً لتواصل أبعد من الجغرافيا العربية. لهذا، يتضمّن البرنامج أفلاماً لمخرجين غير عرب، تُنجَز عن العرب بعيونٍ غربية، لن تكون أسيرة لغة استشراقية باهتة، بقدر ما تتوغّل في أعماق البنيان العربي المتكامل، جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً وإنسانياً وثقافياً.
وهذا، إنْ يدلّ على شيءٍ، فهو يعكس مفهوماً للتواصل يستند المهرجان الإماراتي الدولي عليه: السينما لغة مشتركة، والجغرافيا العربية نابضةٌ بحكايات وحالات وقصص، والبرنامج حوارٌ بين ثقافات مختلفة، كما يُصرّ مسؤولو المهرجان على تكراره، والعمل به.
التحضيرات التي يقوم بها مسؤولو "ليالٍ عربية"، قبل أسابيع قليلة على إقامة الدورة الثالثة عشرة (7 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) للمهرجان، تكشف بعض أبرز العناوين، التي تبدو مواضيعها مثيرة لسجالٍ نقدي، لن يُحْصَر بالحكاية وآلية معالجتها وكيفية تناولها فقط، بقدر ما يمتدّ إلى الشكل السينمائيّ أيضاً. وإذْ يحتلّ لبنان مرتبة أساسية في اللائحة الأولى للأفلام المختارة للبرنامج، بمشاركته بفيلمين اثنين هما "محبس" لصوفي بطرس و"المسافر" لهادي غندور، من دون تناسي الفيلم الفرنسي "ورقة بيضاء" لهنري برجيس، المُصوَّر في لبنان، والذي يمثّل فيه لبنانيون، مع أنّ أحداثه تدور في أجواء عامة؛ فإن الفنان التشكيلي الإيطالي يوري أنكاراني سيكون حاضراً بفيلم "التحدّي"، الذي يتّخذ من صيد الطيور الجارحة مدخلاً إلى قراءة بصرية لعالمٍ رياضي مفتوح على الثقافة والاجتماع، في قلب صحراء قطر. فهو، عبر الرياضة هذه، التي تعود بداياتها إلى سنين مديدة، يكشف شيئاً من تاريخها، ومن كيفية تمكّنها من تحصين نفسها من الزوال.
من جهتها، تستعيد صوفي بطرس شيئاً من أهوال الحرب الأهلية اللبنانية وتأثيراتها المستمرة لغاية اليوم، من خلال حكاية سيدة تقوم بالترتيبات اللازمة للاحتفال بخطوبة ابنتها الوحيدة، في ظلّ مناخٍ عابقٍ بالموت والخراب، إذْ تتوزّع صوُر شقيقها، المتوفى قبل عشرين عاماً أثناء تلك الحرب، في أرجاء البيت، وتحتلّ الذكريات المؤلمة عن الفراق والكراهية والنزاعات مساحةً كبيرة في يوميات تلك العائلة، المقيمة في بلدة جبلية.
أما هادي غندور فيختار، هو أيضاً، بلدة جبلية كحيّز لسرد حكايته السينمائية، ليطرح أسئلة الهجرة والعلاقة بالمكان والانفعال والحلم، عبر رجل متزوّج يريد السفر إلى باريس، لكنه يعيش ارتباكاً واضحاً جرّاء الأسئلة التي تتنازعه وتدفعه إلى دروبٍ لن تُسهِّل عليه أحوال العيش.
في المقابل، يغوص هنري برجيس في عالم القمار والصداقة النسائية، متابعاً حكاية سيدتين تنغمسان في هذا العالم، في مجتمع لا يستسيغ هذه اللعبة أصلاً، لشدّة تأثيراتها السلبية القاتلة على الفرد وعلاقاته. فالسيدتان تريدان القمار في محاولةٍ للتحرّر، ولو قليلاً من الحياة الزوجية والعائلية. لكن للقمار مساوئ كثيرة، لن يكون الإدمان عليه أخطرها.
الحراك السوري، خصوصاً في بداياته السلمية منذ 18 مارس/ آذار 2011، حاضرٌ في "استعراض الحرب" للدنماركي أندرياس دالسغارد والسورية عبيدة زيتون، اللذين يُصوّران التظاهرات الأولى، وبعض التفاصيل الحياتية لمشاركين فيها. وهجرة ثلاثة أشقاء عراقيين من كردستان إلى ألمانيا جزءٌ من حكايات "ليال عربية"، عبر الفيلم الجديد "منزل بلا سقف" لصولين يوسف، الذي يعود بهم إلى بلدهم لدفن والدتهم، فيكتشفون أحوالاً جديدة عنهم وعن بلدهم نفسه. وقطاع غزة، بحصاره وعزلته عن العالم وحالة البطالة التي يعيشها شبابه، أمورٌ يعالجها فيليب غندت وميكي يمين في "نادي غزة للتزلّج" (ألمانيا)؛ في حين أن الجزائري الفرنسي رشيد جعيداني، المتعاون مع الممثل الفرنسي جيرار دوبارديو في "جولة فرنسية"، يطرح أسئلة الصداقة بين الأجيال، وتواصل الأجيال أو تصادمها، من خلال قصّة مغنّي "راب" شاب يعمل سائقاً لدى رجلٍ على مشارف الشيخوخة.
هذا جزءٌ من برنامجٍ، يقول مسؤولوه إنه يتضمّن أعمالاً تعكس أحوالاً عربية آنية، وإنْ تكن الذاكرة مدخلاً إلى استعادة شيءٍ من التاريخ، في حين أن الخلافات، في الثقافة والتقاليد والأفكار والهواجس والحالات، ستكون معالمَ أساسية للبرنامج والمهرجان معاً.