لو كنت قيادة في "ماسبيرو"

14 مارس 2016
+ الخط -
لو كنت قيادة في "ماسبيرو" (الإذاعة والتلفزيون المصري)، كنت سأعمل جاهداً مكافحاً ليل نهار من أجل إصلاح أموري المادية، وأحوالي الشخصية ومصالحي الذاتية من أجل عيون "ماسبيرو" البهية، لأن "ماسبيرو" يفرح بفرح قياداته، ويسعد بسعادة رجاله وعترته.
كنت سأضع برنامجاً دقيقاً، وجدولاً رقيقاً ليومي الحافل من لحظة إستيقاظي، وحتى ميعاد نومي في سريري، متخلصاً من كل صداقاتي، بادئا في نسج شبكة علاقات جديدة، ومنافع مفيدة، ومصالح أكيدة.
كنت سأبدأ في مهاتفة الجراج لمعرفة عدد عرباتي الحكومية، وقائدي مركباتي لتقسيم خطوط سيري المهنية والشخصية والمزاجية.
كنت أنام قرير العين، هادئ البال، وأصل إلى مكتبي بعد الثانية ظهراً، وسط ترحيب المرؤوسين بطلعتي البهية، وسحنتي الندية، وأمارس التفكير العميق، لنجاة كل غريق، فأطلب مشروباً ساخناً أحتسيه على مهل، حتى أتروي، وأختار وأنتقي وجبة التهمها في روية، وعلى تؤدة، لأن أصول الإدارة الحديثة وأساسياتها، تؤكد أن القيادة الحكيمة والواعية لا يمكنها أن تتخذ قراراً صائباً، وهي على لحم بطنها.
كنت سأستقبل رجالي الأوفياء الذين يدينون لي بالولاء (عصافيري)، وأسمع منهم التقارير اليومية والأسرار الشخصية والمشاحنات الفنية والعائلية، ومن سوّلت له نفسه الأمارة بالسوء في النيل مني، والإجتراء على شخصي المصون بالنقد والقدح والهمز واللمز، وأحياناً بالغمز من وراء ظهري البريء، وخصوصا فقرتي عمودي الفقري الخامسة والسادسة، أعلى العصعوص.
كنت سأهتم بمعرفة من له عقل وفهم وقادر على تقديم رؤية للتحديث والتطوير، حتى أجعله أمثولة وعبرة لمن يعتبر، لأن هذا تطاول وتجريح وأمر عجب، ليس له علاقة باللياقة والأدب.
كنت سأهتم بمعرفة أحوال القيادات، فأشاطرهم كل المناسبات وأعياد الميلاد، لأن القيادات لابد أن تهتم بهذه الحفلات، لأن من يجهل قواعد المجاملات والبوكيهات يصبح عاراً على القيادات التي أدمنت الشيكات والفازات والتابلوهات والمجوهرات! ذلك أن القيادات للقيادات سند وظهير في المشكلات والملمات.
كنت سأربط الحمار في المكان الصحيح السليم إدارياً، والصحيح قانونياً، والدقيق لائحياً، وهو المكان الذي يحبه صاحبه، وكنت سأعمل على توفير المؤن والعليق، ولن يكون لي شقيق!
كنت سأكون مثالاً للإحترام والوقار وعدم إتخاذ القرار حتى أتقي النار، لا أهش ولا أنش. كنت سأعمل، قدر جهدي وطاقتي، على إيقاف المراكب السائرة وعدم تقديم أي جديد، متخذاً ذريعتين أساسيتين. الأولى: عدم وجود ميزانية أو تمويل، لأن اليد قصيرة والعين بصيرة. والثانية: عدم جواز الإبداع ومخالفة السابقين، لأن الإبداع يقوم على البدعة والإبتداع والتحديث، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
كنت سأجند موظفين للتجسس على وسائل التواصل الإجتماعي، لمعرفة أخبار من يعملون تحت إمرتي، آخذين مرتبات وحوافز عزبتي، متناسين أنها بقايا تركتي التي ورثتها عن أجدادي وأسرتي. كنت سأفتح قناة مباشرة مع الشؤون القانونية، لتحويل وتأديب المشاكسين الخارجين عن الجماعة، ولا تلزمهم الطاعة، ويتطاولون على أسيادهم من قيادات فذة وعقليات فلتة! لأنهم عندما يتطاولون، فإنهم ينالون من تاريخ المكان وأبهة الزمان.
كل مرؤوس ينتقد أمراً، أو يمس نهجاً، أو يستحدث شأناً، فإنه بذلك ينسى نفسه، ويهيل غباراً على الكيان كله، على التاريخ العريق العظيم الشامخ التليد المقدس الذي لن يتأثر إطلاقاً بتلك الترهات الصادرة من شخصٍ، لا يعدو أن يكون بعروراً عجروراً شنقيطا مغروراً. فهل يمكن للبعرور المغرور أن يصبح قيادة؟ أم أنه سيظل يحلم ويتمنى ويقول: لو كنت رئيساً في "ماسبيرو".
ملحوظة: يوجد الصالح والطالح في كل مكان، والقيادة التي تستاء من هذا المقال إنما تتحسس بطحتها، وهي مسؤولة عن علتها، وأنا بريء من فعلتها.

D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
D5C2955D-3637-43C9-BD92-DB9A172AFFDE
طارق البرديسي (مصر)
طارق البرديسي (مصر)