*بعد دخول الأزمة الخليجية شهرها السابع، كيف ترون سيناريوهات مستقبل هذه الأزمة؟
- أريد أن أجيب عن هذا السؤال على شقين: الأول المتعلق بالمبادئ الثابتة لقطر خلال الأزمة، والتي تمثلت بالتأكيد في ضرورة الحوار، واحترام الوساطة الكويتية، وعدم التصعيد وعدم الرد على إجراءات دول الحصار بإجراءات مماثلة، كالطلب مثلاً من مواطني دول الحصار مغادرة قطر -كما فعلت دول الحصار مع مواطني دولة قطر، فقطر لم تقم بإجراءات مماثلة- بل حافظت على أواصر الأخوة، وعلى مبدأ الحوار واحترام الوساطة الكويتية، وهذا تجلى في مستوى المشاركة في قمة دول مجلس التعاون الخليجي في دولة الكويت.
والشق الثاني، رؤيتنا لهذه الأزمة. نحن بدأنا ننظر للأزمة الخليجية على أنها عبارة عن حلقة مفرغة من سلسلة من الأزمات لا تنبع من أسس سليمة أو صحيحة، وليس لها هدف واضح، مثلها مثل الأزمة مع رئيس وزراء لبنان، سعد الحريري، والتي كانت سلوكاً غير مسبوق في العلاقات بين الدول. لم نفهم لماذا بدأت ولا ندري كيف تطورت، وما الهدف منها، والآن يبدو أنها استتبت. فلماذا كل هذه الزوبعة؟ أيضاً الوضع في اليمن أصبح أقرب إلى العبث، لأننا لا نعرف ما هو المخرج المناسب، خصوصاً مع تغيير التحالفات. هذه حلقة أخرى من سلسلة من الأزمات التي لا داعي لها، وليس لها هدف أو مخرج واضح. وبالتالي، القياس الصحيح للأزمة الخليجية يكون على هذه الأزمات، والخروج من أي أزمة، حتى لو كانت حرباً، تنتهي على طاولة المفاوضات. هذا هو المخرج الطبيعي للأزمة الخليجية. لكن السؤال المطروح ما هي الخطوات التي تلي ذلك، نحن في قطر ندرك أهمية منظومة مجلس التعاون الخليجي، لأنه كان ينظر لها قبل هذه الأزمة، على أنها النواة الصلبة الوحيدة الآن في حالة التفتت التي تشهدها المنطقة. المهم بالنسبة لنا المحافظة على الكيان، لكن المحافظة على هذا الكيان، تستدعي إعادة النظر في آليات عمله. فعندما نفاجأ بعد الأزمة مباشرة أن جميع هذه الآليات تعطلت ولا توجد هياكل، لا أتحدث هنا حتى عن الأمين العام، بل عن بقية الهياكل، ماذا عن اللجان المختلفة في كل المجالات، هذا ما يجب إعادة النظر فيه. نحتاج إلى نوع من العقد الجديد للتفاهم في العلاقات البينية في العلاقات ما بين دول مجلس التعاون، وكيف نرى مستقبل هذه المنظومة. فنحن حريصون على هذا الكيان والمحافظة على الأمن الجماعي للمنطقة.
*هل تعتقدون أن دول الحصار نجحت في تطبيع الحصار والأزمة مع قطر؟
-أريد أن أؤكد أن فكرة تطبيع الأزمة والحصار، وهو ما سعت إليه دول الحصار، لم تنجح، وهناك شواهد على هذه المسألة، منها أن القوانين التي تجرم التعاطف مع قطر لا زالت سارية، وهذا دليل على أن هذه الدول لم تنجح في إقناع شعوبها. الجانب الآخر عملية التحشيد الحاصل من هذه الدول في محافل دولية، في الولايات المتحدة وغيرها، ما زالت متواصلة ومستمرة، وهذا دليل آخر على أن هذه الدول لم تنجح في إقناع العالم بأسبابها وحيثيات ما حصل في الأزمة الخليجية. وهناك شاهد آخر، عملية التصعيد الإعلامي، وكذلك محاولة التلاعب بالعملة الوطنية، إذ بدأ رئيس مصرف قطر المركزي تحريك دعاوى بعد أن تبين أن إحدى الجهات المحسوبة على إحدى دول الحصار مسؤولة عن ذلك، وهذا دليل على أنه قد أسقط بيدهم. هم اعتقدوا أن الموضوع سينتهي بفترة وجيزة، وهو ما لم يحدث. أظن أن مسألة تطبيع الحصار غير حاصلة، لأنه حتى على مستوى شعوبهم ليس هناك قناعة. في جانب آخر، دول الحصار تحاول التعامل مع الأزمة كأنه لا توجد مشكلة من خلال بعض التصريحات الصحافية، في محاولة للفت النظر بعيداً عن الأزمة الخليجية. بمعنى أنهم يحاولون مواجهة ضغوط حاصلة عليهم بالفعل من قبل الدول الكبرى، ومحاولة الإنكار هذه تعد أزمة أخرى.
*لكن الحصار مستمر.
-قطر نجحت في مواجهة تداعيات الحصار من خلال تعزيز شراكاتها على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، مع معظم دول العالم. لكن بالفعل المشكلة التي تؤرق الجميع، هي الجانب الإنساني والاجتماعي والأواصر الأسرية وجانب حقوق الإنسان، وهذه هي الإشكالية. نحن منفتحون تماماً على الحوار في مثل هذه المسائل والدفع بها للحل، فليس بالضرورة حل الأزمة مرة واحدة، يمكن الدفع ببعض الملفات للحل، منها حقوق الإنسان وإعادة ربط الأسر بعضها ببعض، وقطر سترحب بذلك، ولا توجد لدينا مشكلة، فلا زال الأشقاء الخليجيون يزورون دولة قطر بشكل عادي.
* هل تؤكدون أنه كان هناك مخطط للعدوان على قطر، خصوصاً أن أمير الكويت تحدث عن نجاح الجهود في منع تصعيد الأزمة عسكرياً؟
-أريد أن أفصل في مسألتين. بالنسبة للأخبار التي ظهرت في واحدة من الصحف التركية، فقد صدر بيان رسمي من سفارة دولة قطر في أنقرة ينفي كثيراً مما ورد في هذا التقرير، وإجابتي هنا على هذا السؤال ستكون بعيداً عن هذا التقرير. وقد سبق أن تكلم نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة لشؤون الدفاع خالد العطية، في تلفزيون قطر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإسهاب عن هذه المسألة. لكن ما أريد قوله، إن هناك نوعا من القناعة، أن أحد الخيارات التي كانت مطروحة آنذاك، كان التدخل العسكري، وهذا ذكر أكثر من مرة، وهذه ليست المرة الأولى، فقد كان هناك محاولة في العام 1996، وهذه تقرأ في سياقها. وطالما أننا رأينا أن هذا النوع من النمط في السلوك السياسي موجود، وبالتالي تكون الاحتمالات واردة، وعلى هذا الأساس نتعامل. أكرر أن الخيار كان مطروحاً، والتصعيد الذي حصل على مستوى قبلي، والخطاب الذي يتحدث عن التغيير في قطر، يعزز مثل هذه القناعة. ونحن كما أسلفت نتحدث عن سلوك سياسي لا يمكن التنبؤ به، ونحن نقوم بكل الاحترازات الممكنة.
* ما هي الرسائل التي تبعثها قطر من خلال زيادة حجم مشترياتها من الأسلحة في الفترة الأخيرة، وتعزيز علاقات التعاون العسكري والتنسيق مع دول كبرى وإقليمية في المنطقة؟
- قطر لا تبعث بأية رسائل في هذا المجال، قطر فقط تعزز قدراتها الذاتية في جميع المجالات العسكرية والاقتصادية، في مجال الأمن الغذائي، وهذا جزء من رؤية استراتيجية تتعامل من خلال العلاقات الثنائية بين دولة قطر وحلفائها حول العالم.
* لاحظنا تنسيقاً في الأيام الأخيرة. تنسيقا قطريا تركيا سودانيا، واجتماع رؤساء الأركان في الدول الثلاث.
- أيضاً تقرأ في نفس السياق، العلاقات الاستراتيجية القطرية التركية، سابقة للأزمة، ونفس الشيء العلاقات القطرية السودانية قديمة واستراتيجية ومستمرة. مثل هذا التنسيق شيء طبيعي بين الدول الثلاث.
*عقد اجتماع لرؤساء مجالس الشورى والبرلمانات في دول الخليج العربية في الكويت في 8 يناير/كانون الثاني الحالي. ماذا تأملون من هذا الاجتماع؟
-أي جهود على مستوى منظمات المجتمع المدني، أو المستوى الشعبي أو البرلماني، فيها إضافة ومرحب بها، وفيها نوع من رأب الصدع ونوع من التبادل واللقاء. مثل هذه المبادرات جيدة. ونحن نشكر دولة الكويت وأمير الكويت ورئيس مجلس الأمة الكويتي، على هذه الجهود، فهم يعملون على لم الشمل، وجهودهم مشكورة، ونتمنى أن تثمر، فالحوار مطلوب، ومطلوب أن يستمر على جميع المستويات.
*نود أن نسأل عن المغزى والرسالة، من وراء إطلاق اسم "تقاطع 6/5"، تاريخ بدء الحصار على قطر، على أهم وأحدث التقاطعات المرورية في الدوحة؟
- "6/5" بالنسبة لنا يمثل لحظة وحدة وطنية كبيرة، وولادة جديدة، والالتفاف حول القيادة، هذا ما يمثله 6/5 بالنسبة للقطريين، وأحدثك كمواطنة قطرية الآن وليس بصفتي الرسمية.
*كان لقطر دور محوري في حل العديد من الأزمات في المنطقة وخارجها، هل ستؤثر هذه الأزمة على دورها؟ وهل ستواصل قطر مبادراتها ولعبها دوراً محورياً في التوسط في النزاعات الخارجية؟
-هناك ثوابت في سياسة قطر الخارجية، منها التأكيد على الحوار لحل النزاعات، ولعب دور الوساطة في النزاعات، لكن هذه الوساطات تأتي بناء على رغبة من أطراف النزاع. إذا جاءتنا مثل هذه الطلبات ستنظر قطر بما يمكن عمله. أيضاً قطر تتحرك من خلال آليات وقنوات معينة، فالدور النشط والكثير من الوساطات الناجحة التي قامت بها قطر، مثل حل الفراغ الرئاسي في لبنان، حصل في الفترة ذاتها التي كانت فيها قطر عضواً في مجلس الأمن، وبالتالي كان لها صفة تمكنها من لعب هذه الأدوار. رؤية قطر لهذا الدور لم تتغير، كلما أتيحت الفرصة من خلال الآليات المعمول بها، ستواصل دورها، فالمبدأ لم يتغير.
* الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سبق أن صرح قبل أشهر أنه يريد إغلاق مكتب حركة "طالبان" في قطر. هل تم تقديم طلب أميركي لإغلاق المكتب؟
-الجانب الأميركي لم يتقدم رسمياً بطلب لإغلاق مكتب "طالبان" في الدوحة حتى الآن.
* ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه قطر ضد إعلان الرئيس الأميركي اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل؟ وماذا طلب منكم الرئيس محمود عباس الذي زار الدوحة أخيراً؟
-موقف قطر واضح، فقد رفضت إعلان الرئيس الأميركي، وتم التنديد بهذا الإعلان، وقد شاركت على أعلى مستوى في القمة الإسلامية في إسطنبول، التي رفضت هذا الإعلان. الرئيس الفلسطيني زار قطر، كما زار عدداً من الدول، بما فيها السعودية، للتنسيق وجمع المواقف لدعم السلطة الفلسطينية في موقفها بما يتعلق بالقدس، وقطر تدعم كل التحركات الفلسطينية على المستوى السياسي والدبلوماسي في هذا المجال. وفيما يتعلق بلقاء الرئيس الفلسطيني مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، فقد تحدث الرئيس الفلسطيني عن هذه القضية، وفي موضوع المصالحة الفلسطينية، وهذه نقطة في غاية الأهمية. إن الدعم القطري للشعب الفلسطيني مستمر، وجهود دولة قطر كانت وستظل مستمرة وهذه استراتيجية قطرية، والدعم ليس في قطاع غزة فحسب، فالدعم القطري يذهب إلى جميع الأطياف الفلسطينية، والمشروعات القطرية لدعم الشعب الفلسطيني مستمرة في جميع الأراضي الفلسطينية، الضفة وغزة. ومثال ذلك مدينة الروابي في رام الله التي أشرفت عليها شركة الديار القطرية، حيث تم تجهيز أول شجرة "كريسماس". والقضية الفلسطينية واحدة ولا يجوز تجزئتها، والجهود القطرية تتجاوز البناء والبنية التحتية، إلى مساعدة الشعب الفلسطيني على الصمود، وتحفيز النمو الاقتصادي هناك، فضلاً عن جهود مؤسسة "التعليم فوق الجميع" في مناطق النزاع، ومن مشاريعها مشروع "الفاخورة"، الذي قدم دعماً كبيراً للتعليم في المناطق الفلسطينية.
**************
لولوة الخاطر
عين نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لولوة راشد الخاطر متحدثاً رسمياً للوزارة، لتكون بذلك أول امرأة قطرية تتقلد هذا المنصب، في سابقة بالنسبة لدول الخليج العربية.
عملت الخاطر وزيرة مفوضة في وزارة الخارجية، وباحثة في مجال السياسات العامة، وهي مرشحة لنيل الدكتوراه في الدراسات الشرقية من جامعة أوكسفورد البريطانية. كما أنها حائزة على شهادة ماجستير في العلوم من جامعة إمبريال كوليدج في العاصمة البريطانية لندن، وشهادة ماجستير أخرى في السياسات العامة في الإسلام من جامعة حمد بن خليفة. ولها عدد من البحوث المنشورة، مثل كتاب عن السياسات العامة في قطر. وشاركت في عدد من المؤتمرات في دول مختلفة.
شغلت الخاطر منصب مديرة المشاريع البحثية في مؤسسة قطر، ثم مديرة للتخطيط والجودة في الهيئة العامة للسياحة، كما شاركت كمحاضرة في معهد الدوحة للدراسات العليا، وهي باحثة مشاركة في "منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية" في جامعة أوكسفورد، وعضو في مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية.