لوكسمبورغ قلب أوروبا النابض

21 سبتمبر 2015
الرفاهية الاقتصادية في لوكسمبورغ (Gett)
+ الخط -
تعتبر لوكسمبورغ ثاني أغنى دولة في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، خلف قطر تحديداً، معتمدة، إلى حد كبير، على قطاعي المصارف والصلب في تنمية اقتصادها. وفي حين يُلقب القطاع السياحي في لوكسمبورغ بـ "قلب أوروبا الأخضر" باعتباره مكوناً أساسياً للاقتصاد الوطني العام، فإن أراضيها الرعوية الشاسعة تتعايش بتناغم كبير مع اقتصادها الذي يعد التصنيع والخدمات المصرفية أحد أهم ركائزه.


القطاع المصرفي


في الواقع، يُعد قطاع المصارف أكبر القطاعات الاقتصادية، حيث باتت لوكسمبورغ تكتسب شهرة واسعة في كونها بلداً متخصصاً في مجال إدارة صناديق الاستثمار عبر الحدود. وعلى الرغم من صغر حجم سوقها المحلية مقارنة مع جيرانها الألمان والفرنسيين والبلجيك، فإن المركز المالي للبلاد بات يأخذ صبغة دولية، بالدرجة الأولى، حيث يتواجد أكثر من 150مصرفاً من مختلف دول العالم، يعمل فيها أكثر من 30 ألف موظف. بلغة الأرقام، شكل القطاع المالي ما نسبته 37% من الناتج المحلي الإجمالي، البالغ قيمته 52 مليار دولار في عام 2014، في حين شكل قطاعا الصناعة والزراعة 14% و0.4%على التوالي.
ساهمت عوامل عدة في نمو القطاع المالي في لوكسمبورغ، من بينها الاستقرار السياسي الذي تنعم به الدولة، وشبكة اتصالات متطورة، وسهولة الوصول إلى مراكز أوروبية أخرى، وموظفون ماهرون متعددو اللغات، وتقاليد عريقة من السرية المصرفية، وخبرات مالية عابرة للحدود. ساهمت هذه العوامل في تحسين موقع البلد على مؤشر "مدركات الفساد" الذي بلغ 8.5 نقاط في عام 2014، وهي تعتبر من أفضل النسب في أوروبا.

تشكل ألمانيا أكبر تجمع من المصارف الأجنبية العاملة في لوكسمبورغ، مع تواجد عدد من البنوك الإسكندنافية واليابانية والأميركية، حيث تجاوز إجمالي أصولها مجتمعةً ما قيمته تريليون دولار في نهاية عام 2013. علاوة على ذلك، تم إنشاء أكثر من 10 آلاف شركة قابضة في لوكسمبورغ، إضافة إلى عدد من المؤسسات المالية الدولية المرموقة، بما فيها البنك الأوروبي للاستثمار التابع للاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضاً:دعائم الاقتصاد البرازيلي


على الجانب الآخر، كان إدخال الصناعات التعدينية الإنجليزية إلى البلاد، في عام 1876، حدثاً بارزاً في التاريخ الاقتصادي لـ "لوكسمبورغ" الذي ساهم في تطوير صناعة الصلب وتأسيس شركة Arbed الشهيرة في عام 1911. منذ ذلك الحين، أصبحت صناعة الحديد والصلب، التي يقع معظم مصانعها على طول الحدود الفرنسية، قطاعاً اقتصادياً هاماً، إذ يشكل الصلب 30% من مجموع الصادرات الكلية للبلاد، و1.9% من الناتج المحلي الإجمالي، و23% من العمالة الصناعية، ونحو 4% من قوة العمل الإجمالية.
بدأت إعادة هيكلة الصناعات التعدينية وزيادة ملكية الحكومة في شركةArbed (إلى 31%) في وقت مبكر من عام 1974. ونتيجة للتحديثات المنتظمة للمرافق الصناعية، والتخفيضات التي طرأت على الإنتاج والعمالة، وتولي الحكومة سداد جزء من ديون الشركة، والانتعاش الأخير للطلب العالمي على الصلب، أصبح إنتاج الشركة من الصلب من بين أعلى المعدلات في العالم، تمثل أسواق الولايات المتحدة حوالي 6% من الإنتاج الكلي للشركة. وبعد سلسلة من الاندماجيات مع شركات صلب أخرى، انتهى بها المطاف إلى إنشاء شركة صلب كبرى تحت مسمى جديد، Lakshmi Mittal، في عام 2006، حيث أصبحت الشركة، منذ ذلك الحين، أكبر منتج للصلب في العالم.
سيطرت صناعات الصلب على القطاع الصناعي، حتى ستينيات القرن الماضي، عندما عمدت الدولة إلى تنويع صناعاتها لتشمل المواد الكيميائية والمطاط وغيرها من المنتجات. إضافة إلى ذلك، عوّض النمو في القطاع المالي التراجع في الطلب العالمي على الصلب، حيث برز قطاع الخدمات، خصوصاً في مجال المصارف والتمويل، لتشكل الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي. واليوم، فإن لوكسمبورغ تعتبر ثاني أكبر مركز استثماري في العالم، بعد الولايات المتحدة، ومركزاً هاماً للخدمات المصرفية الأكثر تطوراً في منطقة اليورو، إضافة إلى كونها مركزاً رائداً لشركات إعادة التأمين في القارة العجوز. علاوة على ذلك، سعت الدولة إلى جعل لوكسمبورغ منطقة جذب شركات الإنترنت الناشئة حول العالم، حيث نقلت "سكايب" و "أمازون"، من بين العديد من شركات الإنترنت العالمية، مقارها الإقليمية إلى لوكسمبورغ.
(خبير اقتصادي أردني)

اقرأ أيضاً:ماضي جنوب أفريقيا ومستقبلها