لوحٌ بحري.. لكسر الحصار

15 يناير 2015
شباب غزّة يمارسون رياضة الركمجة(تصوير: عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يجد الفلسطيني محمد أبو جياب في أمواج البحر العالية والأجواء الباردة المصحوبة بالرياح الخفيفة، الإشعارات التي تأذن له بالنزول إلى البحر لممارسة رياضة ركوب الأمواج (الركمجة)، بعدما يصطحب اللوح الخاص بهذه الرياضة، من بيته في مخيم الشاطئ للاجئين، غربي مدينة غزة، والمطل على البحر المتوسط.

هي رياضة تنشأ في ظل الحصار وفي سياق ظروف لا تساعد أبداً على نمو هذه الرياضة التي تتسم بالرفاهية. ففن الركمجة في غزة، يولد مطلاً برأسه، يتجاوز الأميال البحرية، ويحلم بأفق آخر، يتحول فيه إلى رياضة لها أبطالها في التحليق على صهوة موجة خارج دوائر حصار العدو الإسرائيلي.

انطلق أبو جياب (42 عاماً)، في ممارسة رياضة ركوب الأمواج قبل نحو 20 عاماً، على ألواح بلاستيكية وأحياناً خشبية صنعها بنفسه، الأمر الذي سبّب له الإصابة بصدمات نقل على أثرها إلى المستشفى أربع مرات، وذلك نتيجة افتقار قطاع غزة للألواح المخصصة لتلك الرياضة، وعدم اهتمام الأندية بها. 

يقول أبو جياب، لـ"العربي الجديد"، إنه اعتاد على الذهاب إلى البحر بشكل يومي منذ الطفولة، وكان يحاول ممارسة بعض الحركات الفنية، مثلما كان يشاهد على التلفاز، كالوقوف على رأسه أثناء السباحة، أو القفز بين الأمواج، وكان يستخدم أي لوح للتزلج على مياه البحر.

ويضيف أنه بعد عام 2000، ظهر عدد قليل جداً من الهواة الذين شرعوا بممارسة تلك الرياضة من تلقاء أنفسهم وبتعلم ذاتي، دون أي اهتمام رسمي، وفي ظل شح المعدات الخاصة بالرياضة، مبيّناً أنه شكل نادياً مكوناً من 15 فرداً سعى إلى نشر الرياضة في قطاع غزة، إلا أنّ تلك المحاولة لم يكتب لها الاستمرار.

وعلى مدار تسع سنوات تقاسم أبو جياب مع صديقه أحمد أبو حصيرة (36 عاماً)، استخدام لوح تزلج صنعاه بأياديهم وفق إمكانات ومواصفات ضعيفة، وفي عام 2006 حصل الصديقان على 15 لوح تزلج بالمواصفات العالمية، كهدية قدمها أحد الرياضيين الأجانب، وكان ذلك بمثابة الحلم الذي طال انتظاره.

يرى أبو حصيرة، الذي يمارس رياضة التزلج على الأمواج منذ عام 1996، أنّ أبرز ما يميّز تلك الرياضة في القطاع، وجود رغبة غير محدودة لدى الهواة على ممارسة تلك الرياضة رغم المخاطر التي تواجهها وقلّة الدعم وغياب التدريبات الخاصة بالرياضة.

ويذكر أبو حصيرة، لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال الإسرائيلي منع في عام 2007 من إدخال 24 لوحة تزلج، تبرع بها الرياضي الأميركي دوريان باسكوفيتز، بعد اطّلاعه على مادة إعلامية أعدّت حول رياضة ركوب الأمواج في غزة، إلا أنه بعد نحو سنتين من الاحتجاز، سمح الاحتلال بإدخال أربعة ألواح فقط.

وينبّه أبو حصيرة، إلى أن جميع ممارسي تلك الرياضة يؤدون حركاتهم الفنية المتنوعة على الأمواج، كما تتفاوت أعمارهم، وهم يتفقون على شيء ثابت أن تلك الرياضة تمنحهم الحرية في وجه الحصار الإسرائيلي، المفروض على سكان القطاع منذ نحو سبع سنوات.

ودفعت رغبة الشاب طه بكر (26 عاماً)، في تعلّم رياضة ركوب الأمواج، إلى أخذ أحد الأبواب الخشبية لإحدى خزانات بيته، وتوجهه بعد ذلك إلى النجار القريب من البيت، لكي يحوله إلى لوح تزلج، ولم يكن في حينها يتجاوز الثانية عشرة من عمره.

ويقول بكر، لـ"العربي الجديد"، إنّ النجار نجح في صناعة اللوح، إلا أن المحاولة فشلت، وبعد أيام عاود التجربة بعدما جلب لوحاً من مادة الفلين، ونزل به إلى غمار البحر، وبالفعل نجحت المحاولة، واستطاع ممارسة بعض الحركات التي تعلمها من أحد البرامج التلفزيونية.

ويشتكي بكر من عدم وجود أي نادٍ أو مؤسسة رسمية تهتم بهذا النوع من الرياضة، وكذلك من الحصار الإسرائيلي الذي يمنع إدخال ألواح التزلج وملابس البحر، إلى جانب عدم توافر قطع بديلة لألواح التزلج النادرة، في حال كسرها.

وتراود الأحلام كافة عاشقي رياضة ركوب الأمواج في فتح المجال أمامهم للمشاركة في المسابقات العربية والدولية، وإعطائهم الفرصة لإبراز قدراتهم وإبداعاتهم في تلك الرياضة، التي تقتصر ممارستها على عدد محدود من الدول العربية، إلى جانب توفير حاضنة حقيقية لدعم تلك الرياضة وتنمية قدرات ممارسيها. 
المساهمون