لم نعدم الوسائل

30 يوليو 2017
+ الخط -
لا يمكن النظر بخفّة إلى التراجع الإسرائيلي عن الإجراءات التي تم فرضها حول الحرم القدسي قبل أسبوعين. تضافرت عوامل عديدة لتحقيق هذا الإنجاز المهم في مسار النضال الشعبي الفلسطيني، أولها الهبة الشعبية العارمة التي قامت في مناطق فلسطينية عديدة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو حتى الداخل. هبّة وحّدت الأطياف السياسية والاتجاهات الأيديولوجية، وحتى الدينية، خلف هدف تحدّي إجراءات الاحتلال، فلم يعد هناك فرق بين فتحاوي وحمساوي أو متدين أو ملحد أو بين مسلم ومسيحي، فالجميع اصطف للصلاة خلف الأسوار التي نصبها الاحتلال حول الحرم القدسي. فالإجراءات استفزّت أطياف الشعب كافة، ومن لم يسبق له التوجه إلى الصلاة في القدس، أو من لم يسبق له الصلاة مطلقاً، بات حريصاً على التوجه يومياً إلى الأقصى لأداء فريضة تحدّي الاحتلال، ما أحدث حالةً لم تتمكّن القوات الإسرائيلية من التعامل معها، وهو ما تجلى في المواجهات التي اندلعت قبل أيام في محيط الأقصى، وهي الأعنف منذ اندلاع الانتفاضة الثانية.
غير أن العنصر الأبرز الذي يمكن الإشارة إليه، وربما كان له دور حاسم في تعديل وجهة القرار الإسرائيلي، كان قرار السلطة الفلسطينية بوقف كل الاتصالات مع الاحتلال، بما فيها التنسيق الأمني. وقبل الخوض في أهمية هذه الخطوة الفلسطينية، ربما يجب التذكير بـ"إنجازات" التنسيق الأمني التي يتغنّى بها الفلسطينيون قبل الإسرائيليين. فقبل أشهر، تفاخر المسؤولون الأمنيون في السلطة أن عمليات التنسيق الأمني نجحت في إحباط أكثر من ثلاثمائة عملية كان فلسطينيون ينوون تنفيذها ضد أهداف للاحتلال الإسرائيلي، وأدّى الأمر إلى اعتقال عشرات من أبناء الضفة الغربية. كما أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، سبق أن أضفى صفة القداسة على هذا التنسيق الأمني الذي كانت تتمسّك به السلطة بشكل غير مفهوم، حتى في أعتى حالات التعنت الإسرائيلي في التعاطي مع القضايا الفلسطينية، سواء المتعلقة بالحياة اليومية أو بالقضايا المصيرية على غرار الاستيطان وغيره من الملفات.
بكل الأحوال، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي مطلقاً. تنطبق هذه المقولة على خيار الرئيس الفلسطيني باللجوء إلى وقف التنسيق الأمني، بغض النظر عن الأسباب الموجبة لذلك، والتي تأتي غضبة الشارع الفلسطيني في مقدمتها، خصوصاً أن أبو مازن يعاني من ضغطٍ متعدّد الأوجه خارجياً، سواء من الدول العربية الراعية لغريمه محمد دحلان، أو من الدول الغربية، وفي طليعتها الولايات المتحدة التي تحمّله مسؤولية ما تسميه التحريض على إسرائيل، وهو بالتالي ليس في وارد خسارة الداخل الفلسطيني، ومواجهة غضبة شعبية إضافية. وتحليل أسباب لجوء عباس إلى هذه الخطوة التي فاجأت السلطات الإسرائيلية لا يقلل من أهميتها، بل ربما يزيدها.
تكشف خطوة السلطة الفلسطينية أن هذه السلطة لم تعدم الوسائل بعد للضغط على سلطات الاحتلال، ووقف التنسيق الأمني أياما قليلة كان كفيلا بالمساهمة، بشكل أساسي، في تعديل القرار الإسرائيلي بخصوص المسجد الأقصى، ومثل ذلك يمكن أن يكون مساهماً في ليّ الذراع الإسرائيلية في ملفات أخرى كثيرة، فالسلطة الفلسطينية تمتلك سلاحاً فعالاً يمكنها استخدامه عندما تشاء، لكنها كانت تفضل "حسن النية" في التعاطي مع الاحتلال الذي يدرك أن وقف التنسيق الأمني سيكون كفيلا بفتح باب العمليات غير المتوقعة في الأراضي المحتلة، وهو الذي يعاني أساسا من عمليات الطعن المفاجئة في أكثر من مكان.
التنسيق الأمني بيد السلطة سلاح فتاك، ربما من الأجدر التركيز على كيفية توظيفه، خصوصاً أن نتائجه شبه مضمونة.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".