لماذا يكره أبناؤنا القراءة؟

16 أكتوبر 2016
حب القراءة يمر بالمفهوم الرحب للعلم (Getty)
+ الخط -
في حوار بين أم وابنتها، اقترحت الأم على ابنتها البالغة من العمر 12 عاماً، أن تقضي بعضاً من وقتها أثناء الإجازة في قراءة الكتب، أو ربما حضور بعض الورش الثقافية أو الدورات التدريبية المفيدة.

فوجئت الأم بثورة عارمة من ابنتها، وجاء ضمن كلمات البنت أثناء تلك الثورة أن قالت لأمها: "الدراسة في وقت الدراسة فقط.. هل تريدين مني أن أدرس في الإجازة؟.

وهنا اكتشفت الأم الكارثة، التي لا تعاني منها فقط هذه الابنة، وإنما قد يعاني منها أغلب أبنائنا، وهي أنهم لا يدركون معنى "العلم"!! هم فقط يعرفون أن هناك شيئاً اسمه "دراسة" يرتبط بالمدرسة والامتحانات والفروض المنزلية، ولكن يبدو أنهم لا يدركون أن هناك معنى أوسع هو "العلم"، الذي يجب أن نسعى إليه في كل وقت، وأن الدراسة المدرسية ما هي إلا صورة من صور العلم، قد تكون صورة بغيضة لقلوب كثير منهم، ولكنها ليست هي كل العلم.

معنى العلم
وبالتالي نحن في حاجة إلى أن يفهم أبناؤنا معنى العلم، وأن نغرس حبه في نفوسهم منذ وقت مبكر جداً ثم نستمر في ذلك مدى الحياة، ويا حبذا إذا بدأنا ذلك قبل دخولهم المدرسة، حتى يتعرفوا على العلم قبل أن يتعرفوا على المدرسة!

وهنا نوضح الفقرة السابقة في أسئلة أكثر تفصيلية: ماذا علينا أن نفعل وكيف؟ ومتى؟




ماذا نفعل؟
أن يفهم أبناؤنا معنى العلم، وأن نغرس حبه في نفوسهم (ماذا؟ وكيف؟)، هناك ثلاثة أفكار أساسية عن العلم يجب أن تصل أبناءنا، وهي: 
  • وسائل العلم متنوعة لتناسب الجميع

  • التعلم ممتع

  • العلم يجعل للإنسان قيمة، ويجعل لحياته معنى، وينمي ثقته بنفسه

ولكن هذه الأفكار الثلاثة لا تصل لأبنائنا من خلال "إخبارنا" لهم بها، وإنما تصل من خلال ممارستها معهم:

* فهم في حاجة لتذوق وسائل العلم المتنوعة وممارستها عملياً، واليقين أن تنوعها يجعلها مناسبة للجميع، فيمارسون "البحث" كوسيلة من وسائل التعلم، ولا أعني هنا البحث بمعناه المحدود، وإنما بمعناه الأوسع.

"ابحثوا في طريقكم عن أنواع مختلفة من أوراق الشجر وقوموا بتجميعها ومعرفة معلومات بسيطة عنها"، "ابحثوا على الشاطئ على أنواع مختلفة من الصخور ثم لنقرأ عنها معاً". "ابحثوا على الإنترنت عن موضوع تحبون أن تتحدثوا عنه في البيت".
ويمارسون "القراءة الحرة" كوسيلة للتعلم، فيدخلون المكتبة، ويختارون بأنفسهم الكتاب الذي يتحمسون لقراءته أو المجال الذي يهتمون بالمعرفة فيه.

  • ثم نساعدهم على أن يمارسوا التعلم من خلال "التعبير" أو "reflection" حول موقف مروا به، أو تجربة عاشوها مهما كانت بسيطة. يتذوقون التعلم من خلال الرحلة والتصوير وزيارات لأماكن أو أشخاص ذات علاقة بالبيئة أو العلوم أو الخبرات الإنسانية. هذا التنوع في وسائل التعلم، يعطيهم براحا في اختيار ما يناسبهم، ويمنحهم معنى أعمق للعلم.


  • ونساعدهم أن يدركوا أن التعلم ممتع، وذلك من خلال ممارسة هذه المتعة عملياً، متعة الفهم والاستكشاف والتجوال بين أركان الحياة، ومتعة حرية الاختيار –ولو بدرجة ما- لما يريدون معرفته وتعلمه، ومتعة البحث والأسفار والرحلات ومقابلة أصحاب الخبرات، وأيضاً متعة المعرفة في حد ذاتها، والتنوع والحياة.

  • ونساعدهم أن يدركوا أن العلم يجعل للإنسان قيمة، ويجعل لحياته معنى، وينمي ثقته بنفسه. نحاول إظهار التأثير الإيجابي لعلمهم وسعة أفقهم، فهم في أحاديثهم الحياتية العادية سيستخدمون أمثلة مما تعلموه، فيقول أحدهم مثلاً، أن الموقف الفلاني يشبه سلوك النملة عندما تفعل كذا أو كذا، ويكون رد فعلنا عندئذ هو أخذ الكلام مأخذ الجد وعدم السخرية (ولو عن غير قصد)، بل التأكيد على قيمة هذه المعلومة، وأنه لولا تعلم هذا عن النمل لكان رد فعله سطحياً.


وهكذا نحاول دائما التأكيد على قيمة كل مهارة أو معلومة يكتسبها. صحيح ليس سهلا أن

نربط العلم دائما بالتطبيق فنحاول أن نساعده على تطبيق ما يتعلمه، هذا ليس سهلا لأن ليس كل العلم قابل للتطبيق الفوري المباشر، ولكننا نستطيع - على الأقل – الإشارة لنماذج ناجحة أو مؤثرة بالعلم، وأكرر مرة أخرى "العلم" وليس الشهادات.

وأؤكد أيضا ليس بالضرورة أن يكونوا "علماء" أو "عباقرة". ربما تفيدنا المقارنة هنا، فنجد من حولنا عشرات النماذج لشباب أو مراهقين يعيشون حياة تافهة ليس بها سوى الألعاب الالكترونية والتسوق واللعب، بينما نجد على الجانب الآخر شبابا يشاركون في مسابقات أدبية أو علمية أو أنشطة اجتماعية، وهنا نحتاج إلى ترغيب الطفل في هذا النموذج وتنفيره من ذاك، وربط هذا وذاك "بالعلم" وتنمية الإنسان لنفسه.

متى نقوم بهذا؟
من الضروري أن نقوم بهذا منذ وقت مبكر جدا، ثم نستمر مدى الحياة (متى؟) وكما ذكرت، يا حبذا إذا بدأنا الرحلة قبل دخولهم المدرسة، حتى يتعرفوا على العلم قبل أن يتعرفوا على المدرسة، فيتعرفوا على المعنى "الرحب" للعلم قبل أن يتعرفوا على المعنى "المحدود"، فينتقلون بذكاء بين الرحب والمحدود.


ونمارس ذلك معهم بشكل مستمر – لأن التعلم عملية مستمرة - في الصيف والشتاء، في الكبر والصغر. فنمارس معهم الوسائل المختلفة للتعلم – من قراءة وبحث وأسفار وغير ذلك في الدراسة والإجازة، ونناقش معهم أن ما يتعلمونه في المدرسة هو "صورة واحدة من العلم"، وهي لها ضرورة من أجل الشهادة أو العمل، ولكنها ليست كل العلم.


وأختم بالسؤال الذي بدأت به: لماذا يكره أبناؤنا القراءة؟ هم يكرهونها لأنها تذكرهم بالمدرسة التي هي – كما يفهمون- موسم القراءة والواجبات. ولكي يحبوها عليهم أن يحبوا العلم أولاً، ثم يمارسون صوره المختلفة (القراءة وغيرها)، وأن يتم هذا مبكراً، مدى الحياة، مرتبطاً بقيمة الإنسان ومعنى الحياة.

المساهمون