لماذا يضحك أطفالنا على "نكات الحمام" المقزّزة؟

05 نوفمبر 2017
يعرض على الأبناء الكثير مما لا يناسب سنهم (غيتي)
+ الخط -
أتذكر حين كنا صغارا نجلس أمام شاشة التلفزيون لنشاهد، ربما للمرة العاشرة، الجزء الأول من فيلم "وحدي في المنزل" ولا نمل من الضحك على مقالب الولد الصغير ذي السنوات السبع "كيفين" باللصوص الذين يريدون سرقة بيته في غياب عائلته. كانت خدعا منطقية وذكية مرتباً لها ترتيبا دقيقا حتى أجهز الفتى الصغير على الأشرار. اللافت هنا أنها لم تكن مقالب مقززة على الإطلاق. كلها فقط مثيرة لغيظ اللصوص وضحك المشاهدين.

الآن مع أطفالي أصبح من الصعب أن آخذهم إلى السينما لمشاهدة فيلم رسوم متحركة أو فيلم يفترض أنه مخصص للعائلات أو حتى مصنف من قبل هيئة تصنيف المواد الترفيهية في الاتحاد الأوروبي PEGI بأنه مناسب للأطفال فوق الثلاث سنوات، لأنه منذ أواخر التسعينيات بدا أن صنعة الإضحاك في الأفلام والرسوم المتحركة الأجنبية وقعت في أيدي حفنة من الأشخاص الذين يفتقرون للخيال ولا يريدون بذل جهد كبير في كتابة حبكة درامية محكمة تتولد منها المواقف والمفارقات المضحكة، فحصروا أنفسهم داخل كوميديا فقيرة أبطالها هم العرق واللعاب وشعر الجسم وكل ما من شأنه أن يثير التقزز والاشمئزاز. فأصبح الفيلم عبارة عن حبكة مهلهلة يتخللها بعض النكات القبيحة وهي ما يطلق عليها بـ"نكات الحمام".



لكن لماذا يضحك الأطفال على هذه النكات؟

يرى بعض الباحثين أن النكتة في الأغلب هي خروج عن المألوف في المجتمع وتحدٍّ للسلطة أيا كان نوعها، وبما أن وظائف الجسم الحيوية ومخرجاته تعد نوعا من الأمور التي من المفترض أن تتطلب نوعا من الخصوصية تجعل من الحديث عنها علنا خروجا عن آداب السلوك، فإن الأطفال هنا يجدون مساحة من لذة كسر الحواجز والتمرد على سلطة المجتمع وآدابه وتصوراته عن السلوك المثالي عبر استهلاك تلك النكات ومحاولات تقليد ما يرونه ويقرؤونه في الإنتاج المرئي أو المقروء المقدم لهم.

لكن يظل السؤال ما المشكلة في هذا التوجه وما هو الضرر المحتمل (أو الحتمي إن شئت) الذي قد يسببه؟


  • تستعرض كارولين دانيال في كتابها علاقة هذا النوع من الإنتاج الأدبي الموجه للأطفال بالسوق وتحقيق الأرباح، فتشرح أن العناصر الأساسية التي يبنى عليها هذا النوع من الكتابات والأفلام يعتمد من ناحية على إقصاء الكبار (وأولهم الوالدان) وإنكار القيم المكتسبة من هؤلاء الكبار وتعزيز الفجوة بينهم، وذلك من ناحية أخرى يعمل على إعادة تشكيل هوية الأطفال كشريحة استهلاكية لها قوتها الشرائية المنفصلة عن الوالدين وثقافتهما، وبذلك يتم تحقيق أرباح أكبر بناء على هذا التوجيه المتتالي للأطفال؛ فمثلا إذا كان للكبار رأي ناقد في مسألة كوميديا "الحمام"، فذلك لن يمنع أن تحقق تلك الكتب أو الأفلام التي تعتمد عليها أرباحا عالية، لأن الأطفال أصبحوا يقبلون بنهم على أي شيء يذكر مؤخرة الإنسان وإخراجه، لذا فإن المستهدف هنا ليس نشر هذا النوع من الكوميديا، ولكن تحويل الأطفال لشريحة استهلاكية مستقلة مستعدة لإنفاق الأموال وهو ما يزيد حتما من أرباح الناشرين وصناع الأفلام والمسلسلات. 
  • من ناحية أخرى، تعتقد الباحثة جولي كروس أنه إذا كان هذا النوع "المتدني" من الكوميديا قد يساعد الأطفال على استكشاف وظائف حيوية في أجسامهم، إلا أنه من الوارد جدا أن يظل الأطفال عالقين في هذا النوع من الكوميديا الفقيرة وأن لا يتطلعوا إلى مستويات أعقد من القراءة والمشاهدة، فيكبر الأطفال ويصبحون أشخاصا بالغين لكن تظل اهتماماتهم منحصرة في مستويات ركيكة من المحتوى المقروء والمرئي. 

  • النقطة الثالثة هي أن هذا النوع الرديء من الكوميديا يسلم الأطفال بعد ذلك في فترة 
    المراهقة إلى نوع آخر من الكوميديا المتدنية ألا وهي النكات الجنسية وقد يترافق النوعان في كثير من الأحيان، ولأن الطفل يكون قد تعود على هذا النوع من القراءات والمشاهدات الذي لا تستلزم جهدا ذهنيا، وتستخدم لغة ركيكة على الأغلب لا تحتاج للتركيز، وفي الوقت نفسه نظرا لتقدمه في العمر فإن الطفل يبحث عن مستوى أعلى من الإثارة لذا فإنه يتجه للكوميديا الجنسية ويستمر في تفضيل تلك الأنواع الركيكة عن سائر المنتجات المرئية والمقروءة الأخرى.

ما الحـــــــل؟

أصبحت الشعوب العربية في العقود الأخيرة، تعتمد في استهلاك المواد الترفيهية والمقروءة على ما تقدمه الثقافة الغربية المهيمنة، ولا يوجد حل نهائي أو سحري لحل تلك المعضلة، لكنها رحلة طويلة من التوعية والتربية من قبل المربين لأنفسهم ولأطفالهم. ويمكن أن نذكر مقترحات لوسائل قد تعين الأسرة على الحد من ذلك الغزو المتدني في الذوق والثقافة، منها على سبيل المثال تقديم بدائل من قبل الأبوين للقراءة والمشاهدة تبتعد بالأطفال عما هو رائج؛ فبدلا من أن يشتري الأطفال أحدث ما تمت ترجمته مثلا في أدب الناشئين مثل "مذكرات طالب" أو The Diary of Wimpy Kid فيمكن توجيه الطفل لروايات المغامرات والألغاز وكلاسيكيات الأدب بنسخها المصممة للناشئين.

وأما بالنسبة للمشاهدات، فإن العالم اليوم يتجه أكثر فأكثر نحو المشاهدة حسب الطلب أو ال VOD بدلا من الخضوع لخيارات تلفزيونية غير مناسبة وبذلك من الممكن أن تجتمع الأسرة لمشاهدة أفلام أو مسلسلات ممتعة حسب رغبتها وثقافتها واهتماماتها.

مع الأخذ في الاعتبار أنه يصعب بشدة عزل الأطفال عما يدور حولهم في العالم، صحيح أنه يمكن التخفيف من حدة المدخلات الضارة، لكن لن نستطيع وقفها تماما، لذا الأهم من كل ما سبق هو مساعدة أطفالنا على تكوين نظرة ناقدة وتعليمهم معايير ثابتة يقيسون عليها الأمور التي يتعرضون لها، فحتى إذا شاهد فيلما أو انجذب لكتاب يعتمد على هذا النوع من الكوميديا فإنه يستطيع نقده في قرارة نفسه وتبيان العيوب فيه وبهذا لا يوغل أكثر في طريق تتدنى بذوقه وثقافته.

دلالات
المساهمون