لماذا الحرب؟

10 يوليو 2020
عزة أبو ربعية/ سورية
+ الخط -

من الصعب أن يوافق المرء على نظرية فرويد التي يقول فيها إن النوازع العدوانية المتجذّرة لدى البشر هي السبب في نشوب الحروب، على الرغم من أن السنوات التي تفصلنا عن تاريخ صدور الكتاب المشترك بينه وبين عالم الفيزياء الشهير آينشتاين بعنوان "لماذا الحرب؟" لم تشهد غير الحروب والمجازر والمذابح التي ارتكبها بشرٌ ضد بشر، حتى لنكاد نقرّ بأنهم إنما يقدّمون الإثبات تلو الآخر على أصالة الروح العدوانية لديهم.

أمّا الغائب عن الحوار، فهو تحديد المسؤول عن الحرب، فبدل تسمية الطبقات الحاكمة والمنتفعة من الحروب، وبدل أن يشير كلا العالِمَين إلى المسبّب، يكتفيان بتحميل المسؤولية لتلك الطبيعة العدوانية المتأصّلة في النفوس، ويتمّ تعميم الصفات ووضع الجنس البشري في سلّة الاضطرابات النفسية والعصبية. هذا محيّر ومحبط، إذ كيف لا يرى عالِمان بهذا المستوى من العمق والأصالة الحقيقة؟ فالبورجوازيات الحاكمة هي التي أشعلت الحرب العالمية الأولى والثانية، وليس المواطنون، والراجح أنّ المستفيدين من الحرب هم أرباب الصناعة لا عمّال الصناعة. 

وفي حالة الحروب الاستعمارية لدينا طرفان: المعتدي والمعتدى عليه، فإذا كان المعتدي يشعل الحرب لتصريف النوازع العدوانية لديه، فماذا عن المعتدى عليه؟ أين يخبّئ نوازعه العدوانية؟ أم أنه ينتمي إلى شريحة من البشر لا توافق على الحرب؟ وليست لديها تلك النوازع القاتلة؟ ولكن أين الاقتتال على المصالح؟

القول بفساد الطبيعة البشرية قد يكون أداة لتبرئة المعتدي

هل جاءت فرنسا لاستعمار سورية في زمن فرويد بسبب النوازع العدوانية فقط؟ لماذا تحضر روسيا اليوم طائراتها وجيشها لتحارب في سورية؟ هل تريد تفريغ شحنة النوازع العدوانية لدى قادتها، أم تريد تفريغ الغاز من البحر السوري؟ وماذا تريد الولايات المتّحدة غير تفريغ النفط والغاز من الصحراء السورية؟ وكيف نفسّر مقاومة السوريّين للاستعمار الفرنسي ومقاومتهم القادمة للاستعمارين الروسي والأميركي؟ هل حدث ذلك كلّه بسبب الطبيعة البشرية الفاسدة أم بسبب البضائع والودائع؟

الحقيقة هي أن الاتكال على السيّد فرويد لا ينفع إلّا في التأكيد على فساد الطبيعة البشرية، غير أنه قد يبرّئ المعتدي، أو يُخفيه، أو يضيّع آثاره خلف غبار التحليل. هل نشمّ رائحة التغطية على الرأسمالية وعدوانها على الشعوب الضعيفة؟

في معظم المقاربات التي تناولت الحروب جرت التغطية على المصالح، وفي الحالة الفرويدية يتساوى جميع المشاركين في الحروب، والفارق بينهم هو في النسبة المئوية التي تختلف بين القوي والضعيف. 

في الحوار ذاته، يقول العالم الفيزيائي إن النخبة المثقّفة في عصرنا لا تمارس أي تأثير مباشر على تاريخ العالم، وهو يقترح على الرغم من ذلك المشاركة الفعّالة في محاولة إيجاد طريقة ما للحد من الحروب، أو منعها وإنهائها بصورة حاسمة من الحياة البشرية، وفي رسالة الردّ يقول فرويد إن "النتائج لا تكون مثمرةً عندما يُطلب من منظّر لا يهتم بالأمور المادية تقديم نصيحة بخصوص مسألة عملية ملحة". تلك هي الحقيقة المؤسفة من حوار يتغاضى أو لا يعرف الحقيقة عن الحروب. 

ليس الجنس البشري مسؤولاً عن الحروب، بل جنس من البشر تتغلّب لديه المصالح على الأخلاق.

 

موقف
التحديثات الحية
المساهمون