للوحدة صوت

18 ديسمبر 2014
هو صوت الوحدة إذن، ما يسمعنا إياه الشباب العربي(Getty)
+ الخط -
صوت يُسمع هنا وهناك، في أكثر من حين، ومنذ وقت ليس بالقصير، ولا باليسير، في أكثر من مدينة وعاصمة وحاضرة وحرم جامعي، في أكثر من سجن وحديقة وشارع ومقهى، في المخبز، في البيت، في المصنع، وعلى ضفاف النيل كما الفرات، وبياض الساحل التونسي الرشيق، وخضرة الجبل اليمني العنيد ومياه الخليج الشفافة. صوت لا يخذلك، ولكن قد لا تعرفه بيسر، خاصة في ظلال ما يخيم على أرض العرب من أزمات متلاحقة، وأوجاع داخلية، ليست بالمعزولة عما هو خارجي، وإقليمي، إنما حاضرة في صلب ما يفرزه التداخل المصالحي الإقليمي والدولي في أرضنا.

هو صوت الوحدة إذن، صوت التقارب، صوت المشترك، وصوت الحنين لما سيكون، كأننا اختبرناه في أعمارنا القصيرة وسحب منا، أو حرمنا منه، والفواعل ليست مبنية للمجهول أبداً، بل شاخصة ومعرفة لدى الشباب العربي، الذي نفض تراكمات عقود العسكر ومن والاهم في قصور لم يبنوها هم، ولا تليق بهم، بل هي مكان الشعب وحقه.

مع قدوم ربيع العرب وثوراتهم الديمقراطية الجميلة، المنادية بالكرامة قبل كل شيء، المصرة على الخبز معنا، ودرباً لتحقيق الكرامة، وتأمين الاستقلالية، والنهوض، وجعل التنوير المتهادي مع مفردات العدالة الاجتماعية، والمتماهي مع متطلبات التحديث والمدنية، مجتمعاً ودولة، تشجع هذا الصوت، ولفظ الحشرجات التي علقت به في عتم الاستبداد، ومن على رطوبة بلاط أقبية عصابات من خطفوا دولته بعيداً وطويلاً.

ليس هذا الصوت بالمستهجن على الشباب العربي، ولا هو بالمشروع الدخيل الفج المفروض عليهم، كما أنه ليس أجندات أفاقوا صباحاً فاصطدموا بها، هو ثقيل، نعم، ولكن جميل، بما يطمح إليه ويعد به جميل، وبالكيفية التي قدمه الشباب بها يزداد ازدياناً.

ويشاع أن الشباب العربي لا يعرف بعضه بعضاً، ويذهب بعض مما يشاع أنه لا يعرف نفسه، لكن هل من هو قادر على معرفة صديق المستقبل والوطن والحقوق والكرامة، وتمييز عدو الشمس والكلمة الحرة والوطن المُصون، بغير عارف لنفسه، أو لبعضه بعضاً؟! لا متسع لتجاهل، أو الهروب من، الاعتراف بأن تنميطاً قد أشيع ما بين الشباب العربي، ولعقود طوال، وأريد له أن يتساوق مع الصور والتخيلات التي يطرحها هذا التنميط للشباب العربي عن أشقائه. ولا إنكار أن من الدارج، مثلاً، أن الشاب المغربي محترف في القفز عن حدود الشمال، والعبور إلى أوروبا والعيش في منفاه، أو أن الشاب الموريتاني، بعيد منعزل وغير مهتم أو مرتبط بمن هم إلى الشرق منه، أو أن الشاب العراقي إما منخرط في هذه الميليشيا أو تلك العشيرة، أو أن أخاه الفلسطيني لا يكترث إلا للبندقية، أو إيجاد الملجأ الآمن، أو أن شقيقه المصري لا يبتغي إلا فوضى الأحوال والمآل، أو ذلك اليمني المعذب بنار الطائفيين حيناً، ولهيب الاقتتال والتطاحن الميليشاوي أحياناً، أو أن اللبناني، هكذا، يولد ليكون إما مع هذا أو ذاك، وأن شقيقهم الخليجي يعيش في رخاء مادي، من شأنه أن ينسيه ما لدى إخوته، كل هذه الصور أُريدَ لها أن تكون السائدة، وأن ترسخ قدر ما يمكن في الوعي والحاضر، لكن، ولحسن الحظ، هناك ما لدى الشباب العربي من ضمير، من حب، من عمق هوياتي، ونزوع نحو ما هو لائق بإنسانيته ما يشكل سداً رافضاً لكل ما يراد له، ويجعله ثابتاً متماسكاً وعارفاً لما يريد.

ربيع الشباب العربي وحراكه لا لأجل فض قبضة الاستبداد في أكثر من قطر عربي عن عنقه فقط، بل تجاوز ذلك، وما طرحته ميادينه ولافتاته وحناجره أبعد بكثير من مجرد إسقاط طاغية، أو تغير حكومة، أو تلطيف صياغة نص دستوري. بل كانت فلسطين حاضرة في شارع محمد الخامس، ومصر في شارع الحبيب بورقيبه، واليمن في ميدان التحرير، وتونس مع أصحاب ثورة القرن ومأساته في وقوفهم أمام جزاري بشار وشبيحته، نعم هكذا يقول شباب العرب، للوحدة صوت ولحن وإيقاع محبب..


راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون