ما بين صراعات ونزاعات أوجدها البشر، وأخرى تتناسق والكوارث الطبيعية، تأتي معايير الحد الأدنى للتعليم، لتؤسس عبر عقد من الزمن من التدريب والتطوير والبحث، أسس يمكن من خلالها الإنطلاق في تقديم خدمات التعليم عبر مجتمعات فرقت بينها الحدود، إلا أن حاجتها للتعليم والبناء كان الهدف وراء تطبيقها.
نشرات عدة، وكتيبات ولقاءات، كانت أولى خطوات "العربي الجديد" بهذا التحقيق بحثا عن إجابات لتساؤولات تكمن في التعرف على هذه المعايير وماهيتها، وآلية التوصل إليها، وتطبيقها في بلدان عدة بما يضمن تحقيق الهدف منها، فيما كان البحث عن أبرز التحديات، وكيفية التغلب عليها، تحديا جديداً في ظل ما يعانيه الواقع العربي والإقليمي من متغيرات وحالة من اللااستقرار.
بداية التفكير
إنطلاقا من اتفاقية حقوق الطفل، وأهداف منتدى داكار للتعليم عام 2000، والميثاق الإنساني لمشروع "اسفير"، كان هناك تحرك لضمان التعليم للجميع، ومنها انطلقت فكرة تشكيل لـ"الشبكة العالمية لوكالات التعليم في حالات الطواريء" (الآيني) التي تأسست في العام 2003؛ وهي شبكة تضم أكثر من ١١ ألف شخص و١٣٠ مؤسسه عاملة على دعم وتعزيز التعليم في حالات الطوارئ، ويمثلون وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة ومعلمين وطلاب.
وتتكون المعايير من 19 معياراً تغطي خمسة نطاقات، حيث يتمثل النطاق الأول في "المعايير المؤسسية" وتشمل ثلاثة مجالات وهي المشاركة المجتمعية، والتنسيق، والتحليل، حيث ينضوي تحت كل مجال منها معايير أخرى.
وينبغي تطبيق هذه المعايير في جميع المجالات لتعزيز استجابة الجودة الشاملة. وتعطي هذه المعايير اهتماما خاصا لضرورة التشخيص الجيد في جميع مراحل دورة العمل في سياق أي حالة طوارىء بدءاً من الجهوزية ومروراً بالاستجابة ووصولا لمرحلة التعافي، من أجل فهم أفضل للسياق وتطبيق أنسب للمعايير.
فيما يتمثل النطاق الثاني في "الحصول على التعليم وبيئة التعلم"، وذلك من خلال معايير تتمثل في تكافؤ فرص الحصول على التعليم، وتوفير الحماية والمعيشة الجيدة إلى جانب توفير المرافق والخدمات التي من شأنها أن تمنح المتعلمين وسائر العاملين في العملية التعليمة السلامة من خلال ربطها بالخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية.
النطاق الثالث يأتي تحت عنوان "التدريس والتعلم"، ويركز على العناصر الهامة التي تعزز التدريس والتعلم الفعال، بما في ذلك المناهج الدراسية والتدريب والتطوير المهني والدعم، وعمليات التعليم والتعلم، وتقييم نتائج التعلم.
فيما يشكل "المعلمون وغيرهم من العاملين في مجال التعليم" النطاق الرابع، حيث تغطي المعايير في هذا المجال إدارة وتدبير الموارد البشرية في مجال التعليم. وهذا يشمل التعيين والاختيار، وشروط الخدمة، والإشراف والدعم.
أما النطاق الخامس والأخير فيتمثل في "سياسة التعليم"، حيث تركز المعايير في هذا المجال على صياغة واصدار السياسات وعلى التخطيط والتنفيذ لها.
آلية وضع المعايير
بلال الحمايدة، منسق برنامج "وطني" بمكتب اليونسكو الفرعي في قطاع غزة، ومدرب في نطاق معايير الحد الأدنى للتعليم، يتحدث لـ"العربي الجديد" حول إنطلاق النسخة الأولى للمعايير، مشيراً أنها خضعت لمراجعات ميدانية عديدة خلال التطبيق لها ونقاشات لضمان تطبيقها كحد أدنى من التعليم، وخلال الأعوام 11 الماضية خضعت لتطوير من خلال 3 محطات، كان أحدثها في العام 2014.
وحول خصائص المناطق التي نظر لها عند صياغة هذه المعايير، يوضح الحمايدة قائلاً: "بالأساس كانت المعايير تراعي السياق العالمي بشكل عام، لم تركز على منطقة جغرافيه معينة، فهي ليست معايير صيغت لمنطقة جغرافية بحد ذاتها، وهي معايير عالمية مرنة وعامة ضمن النطاقات الخمسة، ويمكن اخضاعها في أي منطقة تمر في ظروف نزاعات وصراعات سواء أكانت ناتجة عن الظروف الطبيعة، أو الحروب والصراعات، وبالتالي يمكن استخدامها لتحقيق جودة التعليم بالحد الأدني في أي من هذه الأماكن".
وعن طبيعة المحددات التي وضعت على أساسها المعايير، يشير الحمايدة، إلى أن الأهم بوضع المحددات هو الأقلمة لهذه المعايير أو ملائمتها دوليا، بحيث أن كل دولة تأخذ هذه المعايير وتعيد صياغتها وتؤقلمها لسياقها بما تشمله المحددات.
ويوضح في هذه النقطة بالقول: الدول العربية (جنوب السودان ولبنان والأردن وفلسطين)، كمثال على مناطق نزاعات، أخذت هذه المعايير وقامت بأقلمتها لتتناسب وطبيعة الظروف الموجودة فيها، وهذا الأمر ينطبق على باقي الدول الأخرى.
اقرأ أيضا: أبو مغلي: "التمويل والعنف تمثل التحديات الأبرز في أيني"
وفي سؤالنا إن كان لهذه المعايير مكانة في الدول ذات الاستقرار، يقول الحمايدة: اعتماد المعايير في الدول ذات الاستقرار يكون في مراحل متقدمة وقد تكون أعلى من معايير الحد الأدنى للتعليم في حالات الطواريء، ورغم ذلك فإن هذه المعايير أخذت بالاعتبار تهديدات الكوارث الطبيعة التي قد تضرب المناطق المستقرة والتي قد تحتاج إلى تطبيق مثل هذه المعايير في وقت من الأوقات.
ويشير الحمايدة إلى أنه يتم تعيين المعايير عالميا، وذلك لوجود تهديدات الكوارث الطبيعة التي تهدد الدول المستقرة والغنية، كما هو الحال في تهديدها للدول الفقيرة أو التي تعاني من نزاعات وعدم استقرار، لذلك فإن المؤسسات القائمة على هذه المعايير معنية أن تخضع جميع الدول هذه المعايير لأقلمتها وأخذها بعين الاعتبار من خلال مؤسسات التعليم مراعاة لأي حالات طارئة.
الواقعية والتطبيق
واقعية هذه المعايير وإمكانية تحقيق الهدف الذي وضعت من أجله، كان سؤال "العربي الجديد" الذي طرحته على "جبريل الخيلي"، من المغرب، المدرب والخبير في مجال تطبيق معايير الحد الأدني، حيث يرى أن وضع هذه المعايير جاء للتأكيد على قضية رئيسية تتعلق بالحق في التعليم للأطفال والشباب المتضررين من الأزمات والحروب والكوارث.
ويضيف "هذا يعني أن الحق في الحصول على التعليم في زمن الاضطرابات هو قانون ملزم (وفقا للقوانين والاتفاقيات الدولية المختلفة). وهذا يعني بعبارة أخرى أن توفير التعليم الجيد في حالات الطوارئ ليس عمل خيري بل هو حق".
ويرى الخيلي أن معايير الحد الأدني التي وضعت، جاءت لتكون "واقعية، وقد تم قياس العديد من النتائج والاختبارات على تطبيقها وكانت النتائج هائلة، ولكنها في ذات الوقت لا تزال تحتاج الكثير".
أما الدكتور، حسنين خالد، من الأردن، المختص في التصميم التعليمي، وأحد المشاركين في إنشاء مشروع تعليمي استراتيجي في السودان، يرى أن هناك مبدأ أساس تنطلق منه عملية تطبيق هذه المعايير، خاصة في الصراعات، يتمثل في "توافق أطراف النزاع على أن التعليم حق أساسي للإنسان، وأنه خارج إطار الصراع".
ويعزز هذه الرؤية من خلال تجربته الخاصة بالسودان، ويقول لـ"العربي الجديد": استطاعت الحكومة السودانية والمعارضين لها في ولاية شمال دارفور إلى التوصل لاتفاق على تجنيب التعليم أي خلافات سياسية، فكانت الامتحانات المركزية لدولة السودان تصل بكل سهولة ويسر إلى مناطق دارفور، ويتم تصحيح الأوراق في المناطق المختلفة، واعتبار طلاب دارفور جزء من طلاب السودان ينافسون على المقاعد في الجامعات.
بدوره، يرى بلال الحمايدة، أن حالة التغيير التي يمكن أن تحدثها المعايير، قد تكون متفاوته نتيجة لعوامل عدة، فمثلا في حالة اللاجئين السوريين، فإن المشكلة التي تواجههم في الدول التي يلجأنون لها تتمثل في لغة التعليم بتلك المدارس، أو الكادر التعليمي الذي يمكن أن يساهم في تقديم التعليم لهم، وكذلك المكان الذي يتعلمون به.
لكن رغم هذه العوامل، إلا أن المعايير، كما يوضح حمايدة، "ساعدت الحكومات المستضيفة وكذلك النازحين في المطالبة بالحق في التعليم ضمن الحد الأدنى، وبالتالي هذه المعايير تساعد على التصرف في حالات الطواريء بغض النظر عن المعوقات الرئيسية التي قد تواجهها الشريحة المستهدفة".
التحديات
معايير لا يتعدى عمرها الزمني قرابة 15 عاماً، وسط ظروف وعوامل طبيعية وأخرى من صنع الإنسان، جلعت من إمكانية البحث عن التحديات التي قد تواجه تطبيقها أمراً واقعياً، وهذا ما دفعنا إلى نقاشه مع الخبراء، حيث أجمع المتحدثون على ثلاث محاور رئيسية تندرج تحت نطاق التحديات بشكل عام، وتحد رابع يخص الحالة الفلسطينية.
ويتمثل التحدي الأول والأبرز، كما يراه الدكتور حسنين، في نقص التمويل اللازم لتهيئة المؤسسات والمعلمين والبيئة لمثل هذه المعايير، وأحيانا يتم الاعتداء على الصناديق المحلية أو الدولية التي تخصص لغايات التعليم، ويتم سلبها لصالح تمويل الصراعات.
وهذا ما يتفق معه الخبير الخيلي من المغرب، الذي يرى هو الآخر أنه على الرغم من أن التحديات قد تختلف من بلد إلى آخر، إلا أن ما يمكن أن يشكل قاسما مشتركا منها يتمثل في عدم توفر التمويل الجيد من قبل الجهات المانحة الدولية والإقليمية والوطنية، حيث تم تخصيص فقط ما نسبته 2% فقط من النداءات الإنسانية لجوانب التعليم في السنوات الأخيرة.
هذا التحدي دفعنا إلى التساؤل عن مستقبل التمويل، وهو ما يجيب عليه "بلال حمايدة"، بالقول: الجهات القائمة على التدريب لتطبيق المعايير ومتابعتها، تمولها مؤسسات مانحة ومؤسسات أممية، وبعض الحكومات، والاستمرارية في هذا الأمر مرتبط ببقاء حالة الاستقرار للدول والجهات الداعمة، لكن إذا ما تعرض هذه الأطراف لحالة طواريء، أو أزمات معينه، قد ينعكس على مستوى تمويلها، فإذا لم يكن هناك اهتمام ودعم عالمي، فهذا من الممكن أن يترك مستقبل هذه الجهود حبيس الملفات والأرشيف.
أما التحدي الثاني، كما يراه الخيلي، فيتمثل في التحدي السياسي، وهو المتعلق بالحكومات والدوائر المتابعة للعملية التعليمية في كل بلد مثل (وزراء التربية والتعليم)، فهم ليسوا على استعداد للتعامل مع الأزمات والحروب والكوارث. وبالتالي ينتج عن ذلك تعاون غير ناجح واستجابة ضعيفة جدا.
وهذا التحدي قد يمتد إلى حالة من "عدم الإدراك"، كما يرى الدكتور حسنين، لدى قادة أطراف النزاع، حول أهمية العملية التعليمة وحمايتها أو على الأقل توفير الحماية للوصول إلى المؤسسات التعليمية، أو تجنيب استهدافها، والتوقف عن استغلال الطلبة (وخصوصا اليافعين) في المعارك العسكرية أثناء النزاعات المسلحة.
والتحدي هنا، يمكن في التغلب عليه، كما يوضح بلال حمايدة، من خلال "تعريف الأطراف أو الهيئات القائمة على العملية التعليمية بهذه المعايير، وتدريبهم عليها، وحتى من الممكن أن تكون ضمن مساقات تدرس في الجامعات. وهذا الأمر حتى الآن يشكل تحد على المستوى الإقليمي والدولي أيضا".
ويشير الحمايدة إلى أن "النظم التعليمية لا زالت دون قوانين واضحة ومحدثة تراعي هذه المعايير، وبالتالي نحن بحاجة اليوم إلى تحديث قوانين التعليم بما يراعي هذه المعايير، وانعكاس ذلك ميدانيا، فالعمل مع مؤسسات التعليم يكون ضمن نظام معمول به منذ سنوات طويله، وعند الحديث عن تطوير المناهج لمناسبتها للمعايير يشكل صعوبة".
التحدي الثالث، والذي يشكل قاسما مشتركاً في مناطق الأزمات، يتمثل في "انتشار الأمراض والكوارث الصحية"، وهذا التحدي رغم توحد الجهود وجميع الأطراف في مواجهته، إلا أن حالة القلق على النوع البشري تبقى حاضرة، كما يوضح الدكتور حسنين، الذي يرى أن هذا التحدي قد يتطور إلى تغييب عناصر أساسية في العملية التعليمية من معلمين ومتعلمين.
وهنا يركز، الحمايدة، على ضرورة المرونة في تطبيق قوانين التعليم، والمركزية واللامركزية في عمل المؤسسات التعليمية، وهذا ينعكس ميدانيا على المؤسسات التعليمية بهدف تنفيذ الأنشطة بما يتلائم وحالة الطواريء وإمكانية اتخاذ القرار في تطبيق المعايير، وهو ما يمكن أن يكون مسهلا للتغلب على بعض التحديات الصعبة.
أما التحدي الرابع، وهو ذو بعد خاص في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيتمثل في وجود الاحتلال الإسرائيلي، كا يشير بلال حمايدة، الذي يعتبر أن وجود الاحتلال وممارساته قد تقف عائقا أمام إمكانية تطبيق هذه المعايير في بعض المناطق الجغرافية، سواء نتيجة ما يقوم به الاحتلال، أو تقطيع أواصل الجغرافيا الفلسطينية.
اقرأ أيضا: 12 آلية لحماية المدارس ضد الهجمات المسلحة
بداية التفكير
إنطلاقا من اتفاقية حقوق الطفل، وأهداف منتدى داكار للتعليم عام 2000، والميثاق الإنساني لمشروع "اسفير"، كان هناك تحرك لضمان التعليم للجميع، ومنها انطلقت فكرة تشكيل لـ"الشبكة العالمية لوكالات التعليم في حالات الطواريء" (الآيني) التي تأسست في العام 2003؛ وهي شبكة تضم أكثر من ١١ ألف شخص و١٣٠ مؤسسه عاملة على دعم وتعزيز التعليم في حالات الطوارئ، ويمثلون وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة ومعلمين وطلاب.
وتتكون المعايير من 19 معياراً تغطي خمسة نطاقات، حيث يتمثل النطاق الأول في "المعايير المؤسسية" وتشمل ثلاثة مجالات وهي المشاركة المجتمعية، والتنسيق، والتحليل، حيث ينضوي تحت كل مجال منها معايير أخرى.
وينبغي تطبيق هذه المعايير في جميع المجالات لتعزيز استجابة الجودة الشاملة. وتعطي هذه المعايير اهتماما خاصا لضرورة التشخيص الجيد في جميع مراحل دورة العمل في سياق أي حالة طوارىء بدءاً من الجهوزية ومروراً بالاستجابة ووصولا لمرحلة التعافي، من أجل فهم أفضل للسياق وتطبيق أنسب للمعايير.
فيما يتمثل النطاق الثاني في "الحصول على التعليم وبيئة التعلم"، وذلك من خلال معايير تتمثل في تكافؤ فرص الحصول على التعليم، وتوفير الحماية والمعيشة الجيدة إلى جانب توفير المرافق والخدمات التي من شأنها أن تمنح المتعلمين وسائر العاملين في العملية التعليمة السلامة من خلال ربطها بالخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية.
النطاق الثالث يأتي تحت عنوان "التدريس والتعلم"، ويركز على العناصر الهامة التي تعزز التدريس والتعلم الفعال، بما في ذلك المناهج الدراسية والتدريب والتطوير المهني والدعم، وعمليات التعليم والتعلم، وتقييم نتائج التعلم.
فيما يشكل "المعلمون وغيرهم من العاملين في مجال التعليم" النطاق الرابع، حيث تغطي المعايير في هذا المجال إدارة وتدبير الموارد البشرية في مجال التعليم. وهذا يشمل التعيين والاختيار، وشروط الخدمة، والإشراف والدعم.
أما النطاق الخامس والأخير فيتمثل في "سياسة التعليم"، حيث تركز المعايير في هذا المجال على صياغة واصدار السياسات وعلى التخطيط والتنفيذ لها.
آلية وضع المعايير
بلال الحمايدة، منسق برنامج "وطني" بمكتب اليونسكو الفرعي في قطاع غزة، ومدرب في نطاق معايير الحد الأدنى للتعليم، يتحدث لـ"العربي الجديد" حول إنطلاق النسخة الأولى للمعايير، مشيراً أنها خضعت لمراجعات ميدانية عديدة خلال التطبيق لها ونقاشات لضمان تطبيقها كحد أدنى من التعليم، وخلال الأعوام 11 الماضية خضعت لتطوير من خلال 3 محطات، كان أحدثها في العام 2014.
وحول خصائص المناطق التي نظر لها عند صياغة هذه المعايير، يوضح الحمايدة قائلاً: "بالأساس كانت المعايير تراعي السياق العالمي بشكل عام، لم تركز على منطقة جغرافيه معينة، فهي ليست معايير صيغت لمنطقة جغرافية بحد ذاتها، وهي معايير عالمية مرنة وعامة ضمن النطاقات الخمسة، ويمكن اخضاعها في أي منطقة تمر في ظروف نزاعات وصراعات سواء أكانت ناتجة عن الظروف الطبيعة، أو الحروب والصراعات، وبالتالي يمكن استخدامها لتحقيق جودة التعليم بالحد الأدني في أي من هذه الأماكن".
وعن طبيعة المحددات التي وضعت على أساسها المعايير، يشير الحمايدة، إلى أن الأهم بوضع المحددات هو الأقلمة لهذه المعايير أو ملائمتها دوليا، بحيث أن كل دولة تأخذ هذه المعايير وتعيد صياغتها وتؤقلمها لسياقها بما تشمله المحددات.
ويوضح في هذه النقطة بالقول: الدول العربية (جنوب السودان ولبنان والأردن وفلسطين)، كمثال على مناطق نزاعات، أخذت هذه المعايير وقامت بأقلمتها لتتناسب وطبيعة الظروف الموجودة فيها، وهذا الأمر ينطبق على باقي الدول الأخرى.
اقرأ أيضا: أبو مغلي: "التمويل والعنف تمثل التحديات الأبرز في أيني"
وفي سؤالنا إن كان لهذه المعايير مكانة في الدول ذات الاستقرار، يقول الحمايدة: اعتماد المعايير في الدول ذات الاستقرار يكون في مراحل متقدمة وقد تكون أعلى من معايير الحد الأدنى للتعليم في حالات الطواريء، ورغم ذلك فإن هذه المعايير أخذت بالاعتبار تهديدات الكوارث الطبيعة التي قد تضرب المناطق المستقرة والتي قد تحتاج إلى تطبيق مثل هذه المعايير في وقت من الأوقات.
ويشير الحمايدة إلى أنه يتم تعيين المعايير عالميا، وذلك لوجود تهديدات الكوارث الطبيعة التي تهدد الدول المستقرة والغنية، كما هو الحال في تهديدها للدول الفقيرة أو التي تعاني من نزاعات وعدم استقرار، لذلك فإن المؤسسات القائمة على هذه المعايير معنية أن تخضع جميع الدول هذه المعايير لأقلمتها وأخذها بعين الاعتبار من خلال مؤسسات التعليم مراعاة لأي حالات طارئة.
الواقعية والتطبيق
واقعية هذه المعايير وإمكانية تحقيق الهدف الذي وضعت من أجله، كان سؤال "العربي الجديد" الذي طرحته على "جبريل الخيلي"، من المغرب، المدرب والخبير في مجال تطبيق معايير الحد الأدني، حيث يرى أن وضع هذه المعايير جاء للتأكيد على قضية رئيسية تتعلق بالحق في التعليم للأطفال والشباب المتضررين من الأزمات والحروب والكوارث.
ويضيف "هذا يعني أن الحق في الحصول على التعليم في زمن الاضطرابات هو قانون ملزم (وفقا للقوانين والاتفاقيات الدولية المختلفة). وهذا يعني بعبارة أخرى أن توفير التعليم الجيد في حالات الطوارئ ليس عمل خيري بل هو حق".
ويرى الخيلي أن معايير الحد الأدني التي وضعت، جاءت لتكون "واقعية، وقد تم قياس العديد من النتائج والاختبارات على تطبيقها وكانت النتائج هائلة، ولكنها في ذات الوقت لا تزال تحتاج الكثير".
أما الدكتور، حسنين خالد، من الأردن، المختص في التصميم التعليمي، وأحد المشاركين في إنشاء مشروع تعليمي استراتيجي في السودان، يرى أن هناك مبدأ أساس تنطلق منه عملية تطبيق هذه المعايير، خاصة في الصراعات، يتمثل في "توافق أطراف النزاع على أن التعليم حق أساسي للإنسان، وأنه خارج إطار الصراع".
ويعزز هذه الرؤية من خلال تجربته الخاصة بالسودان، ويقول لـ"العربي الجديد": استطاعت الحكومة السودانية والمعارضين لها في ولاية شمال دارفور إلى التوصل لاتفاق على تجنيب التعليم أي خلافات سياسية، فكانت الامتحانات المركزية لدولة السودان تصل بكل سهولة ويسر إلى مناطق دارفور، ويتم تصحيح الأوراق في المناطق المختلفة، واعتبار طلاب دارفور جزء من طلاب السودان ينافسون على المقاعد في الجامعات.
بدوره، يرى بلال الحمايدة، أن حالة التغيير التي يمكن أن تحدثها المعايير، قد تكون متفاوته نتيجة لعوامل عدة، فمثلا في حالة اللاجئين السوريين، فإن المشكلة التي تواجههم في الدول التي يلجأنون لها تتمثل في لغة التعليم بتلك المدارس، أو الكادر التعليمي الذي يمكن أن يساهم في تقديم التعليم لهم، وكذلك المكان الذي يتعلمون به.
لكن رغم هذه العوامل، إلا أن المعايير، كما يوضح حمايدة، "ساعدت الحكومات المستضيفة وكذلك النازحين في المطالبة بالحق في التعليم ضمن الحد الأدنى، وبالتالي هذه المعايير تساعد على التصرف في حالات الطواريء بغض النظر عن المعوقات الرئيسية التي قد تواجهها الشريحة المستهدفة".
التحديات
معايير لا يتعدى عمرها الزمني قرابة 15 عاماً، وسط ظروف وعوامل طبيعية وأخرى من صنع الإنسان، جلعت من إمكانية البحث عن التحديات التي قد تواجه تطبيقها أمراً واقعياً، وهذا ما دفعنا إلى نقاشه مع الخبراء، حيث أجمع المتحدثون على ثلاث محاور رئيسية تندرج تحت نطاق التحديات بشكل عام، وتحد رابع يخص الحالة الفلسطينية.
ويتمثل التحدي الأول والأبرز، كما يراه الدكتور حسنين، في نقص التمويل اللازم لتهيئة المؤسسات والمعلمين والبيئة لمثل هذه المعايير، وأحيانا يتم الاعتداء على الصناديق المحلية أو الدولية التي تخصص لغايات التعليم، ويتم سلبها لصالح تمويل الصراعات.
وهذا ما يتفق معه الخبير الخيلي من المغرب، الذي يرى هو الآخر أنه على الرغم من أن التحديات قد تختلف من بلد إلى آخر، إلا أن ما يمكن أن يشكل قاسما مشتركا منها يتمثل في عدم توفر التمويل الجيد من قبل الجهات المانحة الدولية والإقليمية والوطنية، حيث تم تخصيص فقط ما نسبته 2% فقط من النداءات الإنسانية لجوانب التعليم في السنوات الأخيرة.
هذا التحدي دفعنا إلى التساؤل عن مستقبل التمويل، وهو ما يجيب عليه "بلال حمايدة"، بالقول: الجهات القائمة على التدريب لتطبيق المعايير ومتابعتها، تمولها مؤسسات مانحة ومؤسسات أممية، وبعض الحكومات، والاستمرارية في هذا الأمر مرتبط ببقاء حالة الاستقرار للدول والجهات الداعمة، لكن إذا ما تعرض هذه الأطراف لحالة طواريء، أو أزمات معينه، قد ينعكس على مستوى تمويلها، فإذا لم يكن هناك اهتمام ودعم عالمي، فهذا من الممكن أن يترك مستقبل هذه الجهود حبيس الملفات والأرشيف.
أما التحدي الثاني، كما يراه الخيلي، فيتمثل في التحدي السياسي، وهو المتعلق بالحكومات والدوائر المتابعة للعملية التعليمية في كل بلد مثل (وزراء التربية والتعليم)، فهم ليسوا على استعداد للتعامل مع الأزمات والحروب والكوارث. وبالتالي ينتج عن ذلك تعاون غير ناجح واستجابة ضعيفة جدا.
وهذا التحدي قد يمتد إلى حالة من "عدم الإدراك"، كما يرى الدكتور حسنين، لدى قادة أطراف النزاع، حول أهمية العملية التعليمة وحمايتها أو على الأقل توفير الحماية للوصول إلى المؤسسات التعليمية، أو تجنيب استهدافها، والتوقف عن استغلال الطلبة (وخصوصا اليافعين) في المعارك العسكرية أثناء النزاعات المسلحة.
والتحدي هنا، يمكن في التغلب عليه، كما يوضح بلال حمايدة، من خلال "تعريف الأطراف أو الهيئات القائمة على العملية التعليمية بهذه المعايير، وتدريبهم عليها، وحتى من الممكن أن تكون ضمن مساقات تدرس في الجامعات. وهذا الأمر حتى الآن يشكل تحد على المستوى الإقليمي والدولي أيضا".
ويشير الحمايدة إلى أن "النظم التعليمية لا زالت دون قوانين واضحة ومحدثة تراعي هذه المعايير، وبالتالي نحن بحاجة اليوم إلى تحديث قوانين التعليم بما يراعي هذه المعايير، وانعكاس ذلك ميدانيا، فالعمل مع مؤسسات التعليم يكون ضمن نظام معمول به منذ سنوات طويله، وعند الحديث عن تطوير المناهج لمناسبتها للمعايير يشكل صعوبة".
التحدي الثالث، والذي يشكل قاسما مشتركاً في مناطق الأزمات، يتمثل في "انتشار الأمراض والكوارث الصحية"، وهذا التحدي رغم توحد الجهود وجميع الأطراف في مواجهته، إلا أن حالة القلق على النوع البشري تبقى حاضرة، كما يوضح الدكتور حسنين، الذي يرى أن هذا التحدي قد يتطور إلى تغييب عناصر أساسية في العملية التعليمية من معلمين ومتعلمين.
وهنا يركز، الحمايدة، على ضرورة المرونة في تطبيق قوانين التعليم، والمركزية واللامركزية في عمل المؤسسات التعليمية، وهذا ينعكس ميدانيا على المؤسسات التعليمية بهدف تنفيذ الأنشطة بما يتلائم وحالة الطواريء وإمكانية اتخاذ القرار في تطبيق المعايير، وهو ما يمكن أن يكون مسهلا للتغلب على بعض التحديات الصعبة.
أما التحدي الرابع، وهو ذو بعد خاص في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيتمثل في وجود الاحتلال الإسرائيلي، كا يشير بلال حمايدة، الذي يعتبر أن وجود الاحتلال وممارساته قد تقف عائقا أمام إمكانية تطبيق هذه المعايير في بعض المناطق الجغرافية، سواء نتيجة ما يقوم به الاحتلال، أو تقطيع أواصل الجغرافيا الفلسطينية.
اقرأ أيضا: 12 آلية لحماية المدارس ضد الهجمات المسلحة