لقطة حلوة

14 يناير 2015
وتلتقط "سيلفي" لتحمّلها سريعاً على حائطها على فيسبوك (Getty)
+ الخط -

في عيادة طبيب الأسنان، تتهامس الفتاتان اللتان تبلغ أكبرهما العاشرة من عمرها. تضحكان، قبل أن يعلو صوتهما بعض الشيء ويُسمع اسم "ميا". فتحاولان كتم ضحكهما وقد علت الحمرة خدودهما.

وتعودان إلى تقليب صور نجمة الأفلام الإباحيّة، اللبنانيّة ميا خليفة، التي نشرها عدد كبير من أصدقائهما الافتراضيّين على صفحاتهم على "فيسبوك". تقرآن التعليقات. لا تفهمان جيداً كل ما كتب، لكنهما تضحكان. الصور تكفي لجعلهما تخبآن خجل سنواتهما المعدودة بضحك مرتبك.

قد تكون ميا خليفة حديث الساعة. لكن الموضوع هنا، ذلك الهاتف الذكي الذي تلقته الفتاة الصغرى قبل نحو أسبوعَين. هذا الهاتف الذي لا تتخلى عنه ابنة السنوات الثماني إلا في المدرسة، وقد مُنع إدخال الأجهزة الإلكترونيّة إلى الصفوف. هذا الهاتف الذي تلتقط به "سيلفي" كلما خطت خطوة، لتحمّلها سريعاً على حائطها على فيسبوك وتجمع "لايكات".

الأمور راحت تخرج عن السيطرة. ما يجري مع هؤلاء الصغار ليس مجرّد لعبة. الأمر ليس مجرّد وسيلة لَهوٍ. فيسبوك أصبح ألبوم صور متاحاً للجميع. ننشر فيه صورنا، ونتلصّص على صور الآخرين.

قد يقول بعض الأهل الذين يعدّون أنفسهم مدركين لخطورة ما يجري، إنهم عمدوا إلى تشغيل برنامج "عناصر تحكّم الوالدَين" على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بأطفالهم. هي خطوة محمودة. لكنْ سهى عن بال هؤلاء، صعوبة - حتى لا نقول استحالة - مراقبتهم تلك الهواتف الذكيّة التي يقدّمونها لأولادهم كيفما اتفق.

الأمور راحت تخرج عن السيطرة. فشرعت جمعيات أوروبيّة عديدة تدقّ ناقوس الخطر. "براءة في خطر" - ناشطة في سبعة من بلدان الاتحاد الأوروبي - وضعت هدفاً لها هو مكافحة استغلال الأطفال، إن من خلال المواد الإباحيّة التي تُنشر وتتضمّن صوراً لصغار على شبكة الإنترنت، وإن من خلال اغتنام الشبكة المفتوحة من قبل مشتهي الأطفال. هي لا ترى مكاناً أفضل من فيسبوك، لنشر تلك الصور والمواد ولاستدراج صغار مزهوّين بلقطاتهم الحلوة.

وتتحدّث هنا جوستين أتلان، مديرة جمعيّة "إيه-أنفانس" (طفولة إلكترونيّة) الفرنسيّة التي تُعنى بتأمين اتصال آمن للأطفال بالتكنولوجيات الحديثة، عن متلازمة "لن يحدث لي ذلك". فحالة الإنكار التي يعيشها الأهل، من شأنها أن تزيد الأمر سوءاً. هم بذلك "يتنصّلون من مسؤولياتهم"، من دون أن يدركوا أن لبرامج مراقبة الأهل فعاليّة. فهي تستطيع مثلاً حجب 97% من المواد الإباحيّة عن صغارهم.

قد يعلّل الأهل "انكفاءهم" هذا بخشيتهم من التطفّل أو التجسّس على أولادهم. لكنهم لا يعلمون أنهم بذلك يتخلّون عن دورهم الطبيعي، ليتحوّلوا مجرّد أصدقاء افتراضيّين على الشبكة.
المساهمون