وبدأت سلسلة الاغتيالات التي طاولت مناطق كثيرة من محافظة إدلب، مباشرة بعد الإعلان عن وقف الاقتتال الدائر بين "جبهة تحرير سورية" التي تضم فصائل معارضة، و"هيئة تحرير الشام"، وكذلك بعد الحديث عن اجتماعات عقدها قادة في "هيئة تحرير الشام" في أنقرة من أجل تسوية وضع التنظيم، بما يجنّب المنطقة هجوماً للنظام مدعوماً من روسيا بذريعة وجود الهيئة، والتشكيلات الأخرى التي تتبع لتنظيم "القاعدة". فالمصلحة التركية تقتضي حل مشكلة "الهيئة" من دون تدخّل عسكري من أي طرف، لأنّ التدخل الروسي سيتسبب بعبء كبير على تركيا، خصوصاً أنّ المنطقة تضم أضعاف عدد سكانها من المهجرين الذين لم يبق أمامهم سوى الحدود التركية. كما أن التدخّل التركي لحل القضية قد تحسبه أنقرة على أنه قد يؤدي إلى فقدان تركيا حاضنتها الشعبية في محافظة إدلب، وبالتالي ليس هناك سوى واحد من خيارين، إما تسليح فصائل المعارضة في المنطقة لإنهاء "الهيئة"، أو تفكيكها من الداخل بكل الوسائل المتاحة، ولكن في كلتا الحالتين لا توحي عمليات الاغتيالات بشكلها الحالي بأنها تأتي لتحقيق هذا الهدف.
ويبقى هناك واحد من احتمالين: أولهما أنّ النظام- ومن ورائه الروس- لم تعجبه التحركات التركية لإنهاء وضع "الهيئة"، فعمد إلى عمليات الاغتيالات تلك بشكل عشوائي من أجل خلط الأوراق وجعل الجهات المتصارعة تتبادل الاتهامات وتعود للصراع في ما بينها، أو أنّ "هيئة تحرير الشام" تتعمّد القيام بهذه الاغتيالات، عبر اغتيال شخصيات معارضة لها وشخصيات موالية تريد هي التخلّص منها، من أجل اللعب على عامل الفوضى وتأجيل موضوع البت في مصيرها أطول فترة ممكنة. ولكن يبقى الاحتمال الأول هو الأقوى، رغم أن الاغتيالات معظمها حصل في مناطق سيطرة "الهيئة" ولجانها الأمنية.