لسنا خير أمة

04 سبتمبر 2014
+ الخط -

أزعم أن لا أحد، ولا دولة، ولا جماعة، أساءت للإسلام كدين أكثر مما أساء له المسلمون أنفسهم ودولهم وجماعاتهم.
نعم.. كثر هم أعداء الإسلام، ديناً وفكرةً ونظام حياة أيضا، لكن المفارقة أن عدوه الأكبر هم المسلمون أنفسهم! ليس لأنهم يريدون الإساءة إليه، ولكن، لأن أغلبهم فشل في أن يكون مسلماً حقيقياً، وفقا لتعاليم هذا الدين. وبالتالي، أصبح مسيئا له أكثر من أعدائه التقليديين. فنصرة الفكرة، أي فكرة في التاريخ، تبدأ، أولاً، بالإيمان بها وتطبيقها، والإسلام كفكرة يؤمن جميع المسلمون بها ما زالت بلا تطبيق.
دعك من الطقوس التعبدية الإسلامية الفردية، وهي مهمة بالتأكيد، لكننا نناقش، الآن، الفكرة الكامنة وراء الإسلام، ديناً يدعو إلى الإعمار في الأرض، في ظلال من العدل والحرية والمحبة والسلام والمساواة وإعمار الأرض.
أين هذا كله من واقعنا على صعيد الأفراد والجماعات والدول؟
أخشى أن أقول إن الاجابة صفر. لكن، هذا هو الواقع الذي علينا أن نعترف به قبل أن نتهم الآخرين خارج دائرة هذا الدين بالإساءة له. لا نبرئ أحداً منهم، هنا، لكن المسألة تبدأ من هنا. من أرض الإسلام وجغرافيته ومادته البشرية الأولى. من حيث نزل وانتشر، ومن حيث أراد الله له أن نكون تحت ظلاله خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. فلم نفهم من هذا الأسلوب الحياتي الرفيع سوى ملاحقة بعضنا في الشوارع والأسواق، لنأمر بتقصير ثياب الرجال وتطويل ثياب النساء، وللنهي عن كشف وجوه النساء وحلق لحى الرجال، وكأن هذا هو المعروف وهذا هو المنكر.
أما من أراد التوسع قليلاً، أو كثيراً، في مفهومي المعروف والمنكر في إطار "خير أمةٍ أخرجت للناس"، فقد شرّق وغرّب بعيداً عن بلاده ليأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وفقا لعادات بلاده وتقاليدها الاجتماعية المتراكمة على مر الأزمان والبشر.
لم يعد أعداء الإسلام بحاجة لحروب تقليدية، يشنونها ضد المسلمين، لاحتلال بلدانهم، فكل ما عليهم، الآن، التفكير بطرق للوقوف خلف هذا المسلم ضد ذاك المسلم، ومد تلك الجماعة بسلاحٍ لقتال جماعة أخرى مشابهة لها، والتحالف مع دولة إسلامية ضد دولة إسلامية أخرى. وكفى الله غير المسلمين القتال، ما دام المسلمون يقاتلون بعضهم بعضاً.
نعم... فشلنا في أن نحقق الصورة المثالية التي ينبغي أن يكون عليها المسلمون، كأفراد ودول وجماعات، وبالتالي، كخير أمة أخرجت للناس.
لكن، متى كنا، أصلاً، خير أمة أخرجت للناس فعلا؟ هل كنا كذلك في أي يوم منذ رحيل نبي هذه الأمة، صلى الله عليه وسلم؟

يشعر المسلم المنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية وعودة الحكم الإسلامي بحرج شديد، عندما يواجهه أحدهم بالسؤال المحدد: ومتى كنا دولة إسلامية حتى نعود؟ ويظل السؤال الآخر بين سطور الكلام وظلال المعنى: ومتى كنا مسلمين فعلاً؟ نستثني الدولة الإسلامية التي أنشأها نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم وبعض صحابته الكرام، فنضيع بعدها في الشعوب والقبائل التي تفرقت، بدلاً من أن تتعارف، بحثاً عن الفكرة قبل الدولة، وعن الدين قبل السياسة، وعن الأهداف قبل الوقائع، وعن الحلم الكبير الذي يفترض أن خالقنا يميزنا به، كخير أمة أخرجت للناس.. قبل أن يسبق وصف هذه الأمة بذلك الوصف العظيم فعل ماض ناسخ؛ "كنتم"!
فأين هذه الأمة، الموصوفة قرآنياً بالخير المطلق الآن؟ لو قدر لهذه الأمة المفترضة أن تلتقط لنفسها صورةً، وفقا لتقنية السيلفي المنتشرة حالياً. ماذا سترى؟ وكيف ستواجه ما تراه؟ وكيف تجرؤ على عرضه ونشره على الناس، لتثبت أنها خير أمة أخرجت لهم؟
لن تفعل.. لأن ما تراه في صورة السيلفي أسوأ مما تخيلت. ولأن ملامحها في ذلك السيلفي سيظهرها كأبشع أمة موجودة حالياً، أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر..وتنسى نفسها!


 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.