لسنا بخير

07 ديسمبر 2017
هذه ليست بسطة! (العربي الجديد)
+ الخط -

واحد... اثنان... ثلاثة... أربعة... خمسة... يقطع صراخ الصبيّ الذي لم يبلغ السادسة من عمره عمليّة العدّ. بيده اليمنى يشير إلى كرة صفراء صغيرة عُرِضَت إلى جانب كرات أخرى - رديئة الجودة - اختلفت ألوانها ما بين أحمر وأزرق وأخضر، في حين راح يجذب والدته من معطفها بيده اليسرى. "اشترينا اثنتَين. لا لزوم للثالثة. انتهى الأمر". تبدو الوالدة حازمة، فيزيد نواح الصغير.

لا داعي لاستكمال العدّ. الأمر يتخطّى بضعة أجنحة. الألعاب تملأ المعرض. لسنا نتحدّث عن ألعاب تثقيفيّة وأخرى تتوفّر عادة في المكتبات، بل عن تلك رديئة الجودة التي تُعرَض على بسطات أو في محلات التخفيضات الدائمة أو الدكاكين الصغيرة في الأحياء. والمعرض ليس واحداً من تلك المعارض الشعبيّة التي تُنظَّم في مثل هذا الوقت من العام، عشيّة عيدَي الميلاد ورأس السنة. صفة "شعبيّة" لا تشير في أيّ حال من الأحوال إلى انتقاص من قيمة تلك المعارض، أمّا المقصود هنا فهو معرض بيروت العربي الدولي للكتاب الواحد والستّون.

في أروقة ذلك المعرض الذي يُنظَّم في العاصمة اللبنانيّة، أطفال يركضون حاملين ألعاباً من البلاستيك الرخيص أو من مواد أخرى قد يكون لها أثرها السلبيّ على صحّتهم. ونسأل عن جدوى تلك السلع في معرض مماثل. بالتأكيد، لسنا نقول هنا بنخبويّة هذا المعرض، لكنّه "معرض الكتاب". دور النشر الخاصة بالأطفال كثيرة هذا العام، وكذلك الإصدارات الخاصة بهؤلاء، بغضّ النظر عن جودتها. لسنا هنا في سياق تحليل مضامينها. الإصدارات كثيرة، حبّذا لو يُصار إلى الترويج لها بطرق مناسبة ومبتكرة تجذب الصغار. لكنّه وبحسب ما يبدو واضحاً، لا شيء يعلو فوق المصلحة الماديّة، وما الضرر من إغراء هؤلاء الأطفال بسلع ليست ذات صلة؟!

في الأعوام الماضية، كان المشهد مغايراً، من دون شكّ. كنّا نرى صغاراً فخورين بما اشتروه من كتب ملوّنة، يتصفّحونها وهم يسيرون في أروقة المعرض، فتتعثّر خطواتهم مرّات ومرّات إذ أنظارهم تتركّز على الأحرف والكلمات والرسومات، أو يجلسون أرضاً ويحاولون قراءة بعض منها أو التفرّج على صورها.

ما زلنا نصادف اليوم أطفالاً يقفون مذهولين أمام كتب معروضة بأغلفتها الملوّنة ويتصفّحون بعضها، غير أنّ هؤلاء يبدون قلّة في مقابل آخرين يصرّون على شراء كرة أو يتبخترون مع ألعابهم البلاستيكيّة الجديدة أو مع أجهزتهم اللوحيّة. في معرض الكتاب، في تلك العشيّة، كان أطفال - عدد لا بأس به - يسيرون إلى جانب أهلهم وهم غارقون في الألعاب الإلكترونيّة المنزّلة على أجهزتهم اللوحيّة تلك. بعض من هؤلاء كانت خطواتهم تتعثّر، إذ تركيزهم ينصبّ على أبطال ألعابهم الافتراضيّة الرقميّة.

إلى من يهمّه الأمر، نحن لسنا بخير.


المساهمون