لبنان: وساطة المخطوفين تموت اليوم... بانتظار المعركة المقبلة

18 ديسمبر 2014
لا أخبار سعيدة قريباً لأهالي العسكريين (حسين بيضون)
+ الخط -
لا يبدو أن الأعياد ستحمل أخباراً سارة لأهالي العسكريين اللبنانيين المخطوفين. فالمعطيات المتوافرة تُشير إلى أن الملف يسير إلى مزيد من الغموض. لا يقتصر الغموض على واقع الحكومة اللبنانيّة التي لم تُقرّر بعد ما الذي تُريده من التفاوض. أمّا من جهة الخاطفين، فإن الأخبار الآتية من الجرود الباردة تزيد الغموض غموضاً.
يبدو أن تنظيم الدولة الإسلاميّة "داعش" قد قرّر أن منطقة القلمون باتت أساسيّة له. وعلى هذا الأساس، أرسل عددا من قياداته إليها. وهذا ما تؤكّده حسابات مقربين من "داعش" على موقع "تويتر". وجاء انشقاق المسؤول العسكري في جبهة النصرة، وانضمامه مع عدد من المقاتلين إلى "داعش"، أول من أمس، ليزيد الأمر سوداوية، إضافة إلى انضمام عدد من مقاتلي الجيش السوري الحرّ وفصائل إسلاميّة تقليديّة إلى "داعش". وقد تلقى أمير "النصرة" تهديداً واضحاً إذا لم يُعلن مبايعة "داعش"، لكنه لا يزال يرفض الخضوع.

هذه التحوّلات قد تضع مصير العسكريين رهينة تهديدات "داعش". فالتنظيم أعطى الحكومة اللبنانيّة مهلة تنتهي اليوم الخميس للعودة إلى المفاوضات أو ينفذ أحكام الإعدام بحق المخطوفين. كما أن التنظيم طالب جميع الفصائل في القلمون، ومنها جبهة النصرة، بمبايعة أميره أبوبكر البغدادي، وإلا عليها الاستعداد للمعارك.

وبحسب ما قاله عدد من متابعي وضع "داعش" في القلمون لـ"العربي الجديد"، فإن التنظيم باتت لديه مخيمات تدريب في الجرد، واستطاع التكيّف بالكامل مع المناخ القاسي المسيطر على المنطقة. وتأتي خطوة "داعش" هذه في إطار التحضيرات لهجوم جديد على بلدة عرسال شرق لبنان، بحسب ما يُنقل عن مسؤولين في التنظيم. كما أكّد بعض زوّار الجرد، وجود مركبات جديدة وحديثة لـ"داعش" في الجرد من طراز 2015.

المثير للاهتمام، هو قدرة "داعش" على نقل قياداته ومقاتلين خبراء منه من مناطق نفوذه في شرق سورية إلى غربها، على الرغم من أن هذه الطريق من المفترض أن الجيش السوري يقطعها ويُمارس حصاراً على القلمون.

اهتمام "داعش" بالوصول إلى الحدود اللبنانيّة وعبورها ليس أمراً جديداً. فالتنظيم يسعى جاهداً إلى تأكيد أن قصف طائرات التحالف الدولي لم يمنعه من تحقيق انتصارات جديدة، خصوصاً أنه أعلن التأقلم مع هذه الضربات. ولذلك، فإن "كسر الحدود" مع لبنان يُعد انتصاراً في هذه المرحلة، وتعويضاً عن بعض الخسائر في العراق. كما أن "داعش" يعتقد أن منطقة عرسال، نقطة ضعف يُمكن له استغلالها لتوجيه ضربات لحزب الله اللبناني ومناطق تأييده، لما لهذا الأمر من أهمية إعلامية وعسكرية له. فأي نجاح سيُساهم في زيادة عدد المنتسبين الجُدد، كما سيؤدي إلى خلق ارتباك كبير في الساحة اللبنانية، في حال تدخل حزب الله لمساندة الجيش اللبناني، الذي لا يزال ينتظر وصول السلاح الفرنسي المفترض أنه سيُساعده في هذه المعارك.
وسبق لـ"العربي الجديد" أن نشرت معلومات عن تقرير غربي حذّر الحكومة اللبنانية من نية "داعش" التمدد باتجاه لبنان، وهو الأمر الذي خلق تضارباً في الآراء داخل الحكومة اللبنانية حول طريقة مواجهته.

أمّا فيما يخصّ ملف التفاوض، فتستمر وسائل الإعلام اللبنانية في التلهّي بالهديّة "الإعلامية- الأمنية" التي قُدّمت لها تحت عنوان "تكليف الشيخ وسام المصري بالتفاوض باسم جبهة النصرة". وعلى الرغم من عدم نشر جبهة النصرة أي تكليف من هذا النوع على حسابها على "تويتر"، ونفيها عبر وكالة الأناضول بشكل واضح لهذا الأمر، لا تزال وسائل الإعلام تتناقل أخبار هذا التكليف. ولا بدّ من الإشارة إلى أن أحد أبرز مشايخ اللقاء السلفي، الذي ينتمي له المصري، خرج من السجن منذ أيّام بتهمة اختلاس أموال.

وعلى صعيد مبادرة هيئة العلماء المسلمين، فإن المسؤولين في هيئة العلماء، ينتظرون جلسة الحكومة اللبنانية اليوم، رغم أنهم لا يعتقدون أن الحكومة ستُكلّفهم رسمياً بالتفاوض مع الخاطفين، "لكننا سننتظر في إطار رفع المسؤوليّة لا أكثر". وقد كان ما قاله الرئيس السابق للهيئة الشيخ عدنان أمامة أكثر من معبّر، لجهة أن توقيف الشيخ حسام الغالي الذي كان يتوجه إلى الجرود لمقابلة الخاطفين والحصول على تعهّد خطي منهم لجهة عدم قتل أي عسكري؛ اعتقل على حاجز للجيش اللبناني. وأضاف أمامة أن الغالي نسّق مع الأمن العام اللبناني واستخبارات الجيش قبل التوجه إلى الجرود، وأن عناصر الأمن العام واكبوا الغالي إلى مشارف عرسال، متحدثاً عن وجود صراع بين الأجهزة الأمنية اللبنانية.
وكان هدف زيارة الغالي إقناع جبهة النصرة تحديداً بإصدار بيان تتعهّد فيه عدم قتل أي عسكري، على أن تُطلق السلطات اللبنانية سراح سجى الدليمي (طليقة البغدادي بحسب السلطات اللبنانية) وعلا العقيلي وأطفالهما بعد ثلاثة أيّام، فيما تُصرّ "النصرة" على إطلاق سراح النساء أولاً كبادرة حسن نيّة، ثم تُصدر بيانها.

انطلاقاً من هذه المعطيات، لا يبدو أن هناك أي أفق لمبادرة هيئة العلماء. لذلك، فإن المفاوضات تعود مجدداً إلى نقطة الصفر. وتواجه الحكومة اللبنانيّة معضلة إيجاد وسيط جديد، أو العودة إلى خيار المفاوضات المباشرة، وخصوصاً بعد سحب قطر وساطتها في هذا المجال، وامتناع الأتراك عن أداء دور الوسيط. 
يذكر أن الموقوف عماد جمعة، (الذي فجّر توقيفه اشتباكات عرسال بين الجيش اللبناني ومسلحي جبهة النصرة و"داعش" في بداية شهر أغسطس/آب، وأدت إلى خطف العسكريين) رفض الدخول في عمليّة التفاوض، ويُصرّ على أن يتم تحويله إلى المحكمة ليخضع لمحاكمة عاديّة، بحسب ما تقول مصادر قضائية.
المساهمون