لبنان: مبادرة فرنجية الرئاسية تنجح في شق 8 و14آذار

11 ديسمبر 2015
تقارب الخصوم وخلافات الحلفاء (Getty)
+ الخط -
يعود النقاش اللبناني حول الملف الرئاسي إلى الجمود شيئاً فشيئا نتيجة تعثّر المبادرة التي أطلقها زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، وفحواها دعم حليف النظام السوري وحزب الله، النائب سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية.

تعيش هذه المبادرة أيامها الأخيرة على ما يبدو، بعد إعاقتها بشكل مباشر من قبل التحالف المسيحي المستجدّ بين قطبي الطائفة المارونية، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع. خاض عون وجعجع في اليومين الماضيين، سلسلة لقاءات واجتماعات مع حلفائهما، ولعلّ الأبرز كان لقاء عون وفرنجية عصر الأربعاء. الأول المرشح الرئاسي الأساسي في فريق 8 آذار، والثاني مرشّح الحريري وقسم من 14 آذار ولو أنه في صلب التحالف القائم مع حزب الله ومن خلفه النظام السوري. جاء اللقاء باهتاً بين الرجلين، تخلّلته صورة يتيمة لهما بحضور صهر عون الوزير جبران باسيل، ولم يرشح عن الاجتماع أي تصريح مباشر أو كلام واضح. فضّل الطرفان الإبقاء على ما دار في اللقاء سرياً، أو بالأحرى غير علني، ولو أنّ التسريبات تقول إنّ "الجلسة كانت شبه صامتة"، بحسب ما يقول زوّار الرابية (مقرّ إقامة عون، شرقي بيروت) لـ"العربي الجديد".

لم يحضر فرنجية إلى الرابية أساساً سوى للوقوف على خاطر عون، تضيف هذه المصادر، وللتأكيد على أنّ "فرنجية يعطي الأولوية لترشيح عون ولو أنه أصرّ على أن ترشحه للرئاسي يأتي من المستقبل، وهو لا يجد أيّ سبب يمنعه من خوض غمار هذه التجربة طالما أنّ الفرصة متاحة له". حتى أنّ بعض الخبثاء علّقوا على لقاء الحليفين بالسؤال عن "من يجرؤ أساساً على زيارة الرابية ومواجهة عون أو الطلب إليه الانسحاب من المعركة الرئاسية"؟ فمن يعرف عون يدرك جيّداً أنّ ليس للزعيم المسيحي الأول أي نيّة أو تصوّر يخرجه من الدائرة الرئاسية، "وحتى عندما يرى أنه بالإمكان النقاش في انسحابه من المعركة، يسأل عن مطالب مستحيلة كتمثّله بنصف الحكومة".

بنتيجة اللقاء، عون مرشّح وفرنجية أيضاً، وبالتالي يتوقف البحث عند هذه الحدود بانتظار إطلاق مبادرة جديدة تحمل أسماء أخرى قادرة على نيل موافقة الكتل النيابية مجتمعة. لكن أهم خلاصات مبادرة الحريري ـ فرنجية، أنها أدّت إلى تشقق الاصطفاف السياسي بين فريق 8 آذار و14 آذار. وقع الخلاف ومعه المنافسة بين عون فرنجية في الفريق المتحالف مع حزب الله، وكذلك الصدام بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية في فريق 14 آذار. لا بل إنّ حال المستقبل والقوات هو الأسوأ، إذ وصلت الأمور إلى حملات تخوين بين مسؤولي الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي وفي المجالس السياسية، ولم يتمكّن البيانان الداخليان الصادران عن قيادتي المستقبل والقوات من وقف الصدام بين المسؤولين فيهما ومن بعدهم الأنصار.

يستمرّ التراشق الكلامي ومن دون ضوابط على ما يبدو، وهو ما يعبّر فعلياً عن التوتر الحاصل في أعلى الهرم. حتى أنّ مطلعين على علاقة المستقبل والقوات يؤكدون لـ"العربي الجديد" أنّ جعجع امتنع عن استقبال أحد موفدي الحريري إلى معراب (مقرّ إقامة جعجع، شرقي بيروت)، كما رفض مغادرة بيروت والتوجه إلى باريس كما فعل عدد من المسؤولين في 14 آذار. وجاء التواصل المباشر الأخير بينهما قبل أكثر من أسبوع نارياً، انتهى بفتح جعجع لكامل الخطوط السياسية مع خصمه الأول على المستوى المسيحي، ميشال عون، لإسقاط مبادرة الحريري بكل ما تيسّر.

بين صدامي عون ـ فرنجية والحريري ـ جعجع، تقف القوى الأخرى متفرّجة، تحديداً الفريق الذي يضع نفسه في الموقع التوافقي أو "الوسط" السياسي، أي تحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط. لكن الأغرب، استمرار صمت حزب الله منذ انطلاق حياكة مبادرة الحريري ـ فرنجية، لا موقف أو تعبير أو إشارة، وهو أكد عليه عضو كتلة الوفاء المقاومة (الكتلة النيابية والوزارية لحزب الله)، علي فياض، بقوله إنّ "السكوت بات من ألماس". وبعيداً عن قدرة جعجع وعون على فرملة المبادرة الرئاسية، فإن صمت حزب الله ينسف المبادرة فعلياً، باعتباره الطرف السياسي المقرّر على الساحة اللبنانية. وفي ظلّ الصدامين الداخليين في فريقي 8 آذار و14 آذار، لا بد من السؤال: هل لحزب الله رغبة بملء الشغور الرئاسي المستمرّ منذ مايو/أيار 2014؟

المساهمون