لبنان.. صفعة "فائض القوة"

27 يناير 2018

علما لبنان وحزب الله في عرسال (29/7/2017/الأناضول)

+ الخط -
"فائض القوة" عنصر لا يُمكن الركون إليه في لبنان. لا يكفي امتلاكك قوةً عسكريةً، وامتداداً ديمغرافياً ودعماً إقليمياً، كي تكون العامل الأكثر تأثيراً أو المُسيطر على البلاد. يمكنك أن تكون أذكى ممّن سبقك، وتتباهى بأنك تعلمت من أخطائه، لكنك ستصل إلى المكان الذي وصل إليه أسلافك، وتدرك كم أن "فائض القوة" محطةٌ سلبيةٌ في دورة حياة أي زعيم أو حزب أو بلدٍ، لا بل مدمّرة في أمثلة عدة.
ليست النزعة إلى "فائض القوة" في لبنان أمراً جديداً. المسيحية السياسية عرفتها واستفاضت فيها. شعر جزء كبير من أنصارها أنهم باتوا أسياد السلطة في بيروت. حتى أن بعضهم لامس المجد مع وصول الرئيس بشير الجميّل إلى السلطة عام 1982، لكن اغتياله بعد 21 يوماً أدى إلى تحوّل المسيحية السياسية حالياً إلى مجموعة أفراد وأحزاب منهمكة بتفاصيل مملّة في الانتخابات النيابية المقررة في 6 مايو /أيار المقبل. مجموعة لا تشارك في القرار ولا تصنعه، بل تنفّذه مع الإيحاء بأنها "صانعة القرار". تحوّل "فائض القوة" لدى المسيحية السياسية من مجرد ذكرياتٍ تجاوزت مفهوم "الحنين" إلى طرح فرضياتٍ تبدأ بـ"ماذا لو لم نفعل هذا وهكذا؟". دائماً ما يأتي التفكير بعد الصفعة المعنوية وسقوط الغرائزية.
عرفت السنّية السياسية مجدها مع وصول الرئيس رفيق الحريري إلى السلطة، إثر انتهاء الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990). في هذه المرحلة المصنّفة "ذهبية"، كان أنصار السنّية السياسية، أصحاب قرار، أو بحدّه الأدنى أحد صنّاعه. تهاوى مجدهم مع اغتيال الحريري عام 2005. تحوّل "فائض القوة" لديهم إلى قصائد حزينة، حول الغبن الذي عانوا منه. لم يتمكّنوا من قراءة مرحلة ما بعد اغتيال الحريري، ولا حتى استيعابها. لم تكن لهم أفعال، بل ردود فعل بصورة "مبادرات". هم أيضاً انهمكوا بالتفكير حول مراجعة السنوات الـ13 الماضية، إنما بعشوائية الأحداث وانتقائية الخطوات.
بالنسبة للشيعية السياسية، فإنها "منتصرة" في الميادين العسكرية في سورية والعراق واليمن. يحلو لبعض أنصارها العمل وفقاً لمبدأ "لولانا لما بقي لبنان". وتحت هذا السقف، يشرّعون ويحدّدون. كل من يواليهم هو معهم، وكل من يعارضهم خائن. يريدون تحقيق انتصارٍ ما في الداخل اللبناني. يظهرون وكأنهم متحفزون أو مستنفرون لهجومٍ ما. يريدون كل شيء من دون أن تكون لديهم القدرة على اتخاذ قرار بذلك. حتى الآن، الفرق بين اتخاذ قرارٍ وتطبيقه في لبنان كالفرق بين الحياة والموت. المسيحية السياسية والسنيّة السياسية أدركتا ذلك بصورة سيئة ومتأخرة.
الصفعة السياسية في لبنان أمرٌ لا مفرّ منه. والعبرة فيها تتجلى في أمرٍ من اثنين. الأول، إما تغيير مبدأ "تلقي الصفعة السياسية" الناجمة عن فائض قوة غرائزي التطوّر لا عقليّ، وهذا لن يحصل، بسبب تجاوز الغرائزية منطق التفكير. وبات من الصعب إعادة تجميع الانتشار الناجم عن القوة الغرائزية في قالب موجّه. الثاني انتظار اللحظة التي ستحصل فيها هذه الصفعة، ثم البناء بصورة غير ثأرية عليها، على قاعدة أن كل طائفة في لبنان نالت مجدها السياسي عسكرياً، وبات لزاماً الاتجاه إلى نموذج جديد من العقد الاجتماعي، مبنيّ على مفهوم "الدولة المدنية"، لا دولة الحصص الطوائفية في قلب المؤسسات العامة والإدارات الرسمية، ولا "الدولة العميقة" التي يريدها كل طرف لمصلحته.
لا يكفي السير في الشارع والقول أو الإيحاء: "أنا القوي". القوة ليست معياراً غرائزياً. في التاريخ سقط كل من استعمل هذا النوع من القوة سقوطاً حراً، أدى إلى نموّ المشكلات الذاتية والنفسية لكل فرد وثق بهذا الفائض من القوة، إلى حدّ الشعور بجنون العظمة. "فائض القوة" دائماً ما يكون محطة أخيرة قبل حصول أمرٍ ما. تاريخ لبنان وطوائفه وأحزابه وأفراده شهودٌ على ذلك.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".