"مهمّتكم دقيقة وعليكم اكتساب ثقة اللبنانيين والعمل على تحقيق الأهداف التي يتطلعون إليها، سواء بالنسبة إلى المطالب الحياتية التي تحتاج إلى تحقيق، أم الأوضاع الاقتصادية التي تردّت نتيجة تراكمها على مدى سنوات طويلة"، بهذا الموقف استهلّ رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي في قصر بعبدا برئاسته وحضور رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء. هذا التصريح "المتفائل" نوعاً ما، توقّفت عنده أوساطٌ مطلعةٌ على الملف الحكومي، مشيرةً إلى أنّ الحكومة التي تضمّ 20 وزيراً ووزيرة، وإن حازت على "الثقة النيابية"، إلّا أنّها لن تكتسب ثقة اللبنانيين، لا سيّما أنّها لم تأخذ بمطالب المحتجين منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، باستثناء استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري التي تقدّم بها بعد 12 يوماً على الانتفاضة.
مسارُ الحكومة سيكون شاقاً، نظراً إلى كثرةِ المُعتَرضين على طريقةِ تشكيلها، والمُعارضين للأسماءِ التي ما إن تدخل السرايا الحكومية حتى تنزَع عنها رداء "التكنوقراط" وتجلس بصفتها الحزبية إلى طاولة مجلس الوزراء، في موقفٍ تُعبِّر عنه غالبيّة أوساط تحالف 14 آذار التي ترى أنّ المُعارضة باتت على ثلاثِ جبهاتٍ "شعبية – سُنية – سياسية". "الجبهةُ الشعبيّة"، لم تهدأ الاشتباكات على ساحتها وخصوصاً وسط بيروت، التي لم تُطفئ ولادة الحكومة شعلتها، إذ إن العاصمة لا تزال تشهد مواجهات بين المحتجين وعناصر مكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي، في ظلّ وجودِ إصرارٍ نقلته أوساط الانتفاضة إلى "العربي الجديد"، بالبقاءِ في الشارع حتى إسقاط حكومة دياب.
أما الجبهة السياسية التي تضمّ أحزاب القوات اللبنانية، والكتائب، والتقدمي الاشتراكي، وتيار المستقبل بدرجةٍ أساسيّة، فباتت عبارة عن معارضةٍ "من دون تواصل أو تنسيقٍ"، على حدّ تأكيد مصادر كتلة المستقبل النيابية التي تكشف لـ"العربي الجديد"، أنّ الكتلة اتخذت قرار التروّي والانتظار، وعدم استهداف حكومة دياب أو الرئيس الجديد بشكلٍ عبثيٍّ، إنّما عند فتح الملفات عملاً بمبدأ "أقليّة تُعارض وأكثريّة تحكم". كما تُعلن، أنّها لن تعطي الثقة للحكومة في مجلس النواب في موقفٍ حاسمٍ لها.
وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ التواصل مفقودٌ بين الأحزاب "المُعارضة"، أي تلك التي تصبّ في تحالفِ 14 آذار، لكنه لم يصل إلى حدِّ الانقطاع خصوصاً أنّ القواسمَ المشتركة عادت لتجمعها من جديد، ومن المتوقَّع دخول قنواتٍ على خطّ تقريب المسافات بين حلفاء الأمس لمواجهة المرحلة المقبلة.
وبالانتقال إلى الجبهة السُنية، هناك استياء من طريقةِ تعامل قوى 8 آذار (حزب الله وحلفائه) مع الملف الحكومي منذ استقالة الحريري، وتغييب دورها وموقفها، ما أخّر اللقاء بين رئيس الوزراء الجديد حسان دياب ومفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وبالتالي كسب "رضى" دار الفتوى، وأدى إلى غياب الغطاءِ الإسلامي السُني عن الحكومة الجديدة. ويُشدِّد رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط لـ"العربي الجديد"، أنّ "الغطاء في الأساسِ يجب أن يكون وطنياً لا طائفياً أو مذهبياً، فهذا هو لبنان الذي نريده ونسعى إليه ويرفع اللبنانيون رايته، شرطَ أن لا تكون هناك استثناءات، بمعنى، أنّه عندما يكون الغطاء الشيعي مؤمَّناً لرئاسة مجلس النواب، والغطاء المسيحي الماروني لرئاسة الجمهورية، لا يمكن سحب الغطاء السُنّي عن رئاسة الحكومة، وهذا أمرٌ مؤسفٌ وغير مقبولٍ في ظلّ الأجواء الطائفية المُتحكِّمة بالقرار السياسي في لبنان".
ويلفت إلى أنّ "الحكومة شُكِّلَت الآن، والأجواء تفيد بحصولها على الثقة في مجلس النواب نسبةً إلى قدرتها على تأمين النصاب المطلوب من خلال أكثرية نواب الكتل السياسية المُمَثَلة بحكومة دياب، لكن عليها أن تبرهن أنها ليست موجَّهة ضدّ فئةٍ معيّنة أو طائفةٍ أو طرفٍ سياسيٍّ حتّى تنال شرعيّتها من خلال ممارساتها ومن الشعبِ المُنتَفِض الرافِض لكلّ أنواع الفساد والمحاصصة وأي إطار طائفيٍّ أو مذهبيٍّ، وعليها أن تُتَرجِمَ فعليًّا أنّها حكومة للوطن ككلّ".
ويعتبر أنّ طريقة التكليف والتأليف أتت مناقضة للميثاق الوطني بين اللبنانيين، في خطوةٍ لا تصبّ في مصلحة الحكم والحكومة، خصوصاً بعدما اتّضح عملياً، أنّها تنتمي إلى لونٍ سياسيٍّ معيَّن. مشيراً إلى أنّ هذه الحكومة في جهةٍ ومطالب الناس والشعارات التي حملها المنتفضون منذ انتفاضة 17 أكتوبر حتى اليوم في مكانٍ آخر، ولا سيما التي ترتكز في معظمها على محاربةِ الفساد، والمحاصصة، المذهبية والطائفية، وغيرها من العناوين العريضة التي نسفتها الحكومة الجديدة التي هي جزءٌ من السلطة. وفي وقتٍ تؤكّد معلومات "العربي الجديد"، أنّ لقاءَ دياب والمفتي دريان يجري التحضير له "على نارٍ هادئةٍ"، يكتفي الشيخ عريمط بالتعليق: "عندما تتهيَّأ الأجواء... لكلِّ حادثٍ حديث".
الجبهة الخارجية لها دائرتها أيضاً على السّاحة اللبنانية، ولا سيما تلك الأميركية والبريطانية التي سبق أن فرضت عقوبات على حزب الله اللبناني وتتبنى فكرة التروي في دعم الحكومة اللبنانية التي أتت بها قوى 8 آذار، وهذا ما يراه القائم بأعمال سفارة لبنان السابق في بريطانيا، السفير هشام حمدان، طبيعياً. ويقول حمدان لـ"العربي الجديد": "هذا ما حذّرنا منه سابقاً، وعلينا أن نواجهَ الحقائق والضرورات المستجدة على واقع العلاقات الدولية وما نعاني منه اقتصادياً ومالياً". ويلفت إلى أن "المشكلة تتمثل في ارتباط فئات لبنانية بالنزاعات الإقليمية وصراعات المنطقة، حتى بات لبنان يدفع ثمن الضغوط التي لها طابع سياسي لكنها تأخذ أيضاً الشكل الاقتصادي. من هنا على لبنان أن يواجه المشكلة ويعترف بوجودها، ويبتعد عن بقائه ساحة للصراعات وتوجيه الرسائل يميناً وشمالاً، ويعود إلى دوره الطبيعي والتاريخي كمركز حوار وتلاقٍ للشرق والغرب".
ويشدّد على أنّ "طلب المساعدات العربية والدولية والسعي للحصول على استثمارات في مجال النفط والغاز وغير ذلك، وعودة المغتربين، هي أهداف لا يمكن أن تحصل ما دام هناك من يقول ويكرر أنه سيقاوم الشيطانَين الأكبر والأصغر، ويتدخل في العراق وسورية واليمن ودول الخليج". ويخلص إلى القول إن "كلّ الدول مستعدة لمساعدة لبنان ودعمه، بما فيها أميركا وبريطانيا وفرنسا ومنطقة الخليج، لكن ذلك مقابل شروط أهمها الالتزام بالإصلاحات والنأي بالنفس عن صراعات المنطقة، وإلّا فإن الدول التي أعلنت اليوم أنها تدعم حكومة دياب وترحب بها، ستتراجع إذا لم تسِر بالإصلاحات".
بدوره، يرى الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير عبد الرحمن الصلح، أنّ الدول العربية، لن تؤدي دور المهاجم، بل المرحّب بتشكيل حكومة جديدة عملاً بمبدأ إعطاء الفرصة وأن وجود حكومة أفضل من عدم وجودها، وتحديداً في هذه المرحلة الصعبة والظروف الدقيقة. سعودياً، وفي وقتٍ تبقى علامات الاستفهام موجودة على علاقة المملكة مع حكومة لم تنَل بعد دعم دار الفتوى والغطاء السني، يستبعد الصلح في حديثه مع "العربي الجديد"، أن تقطع السعودية علاقتها مع الحكومة، بل ستتواصل معها كما باقي الدول العربية تبعاً للمنطق ذاته بضرورة الخروج من حالة الفراغ للتصدي للمخاطر التي على لبنان أن يخرج منها سريعاً.