لبنان: اتفاق "داعش - حزب الله" يحيي الانقسام السياسي

06 سبتمبر 2017
أهالي العسكريين اللبنانيين هالهم مشهد مغادرة قاتلي أبنائهم(جهاد بحلق/الأناضول)
+ الخط -
انتهت المفاعيل الميدانية للاتفاق الذي أبرمه "حزب الله" اللبناني مع قيادة تنظيم "داعش" في منطقة القلمون السورية قبل أسبوعين، لكن لم تنته المفاعيل السياسية لهذا الاتفاق بعد، على الرغم من انتهاء الوجود العسكري لـ"داعش" على حدود لبنان الشرقية مع سورية وتأمين الحزب مغادرة قاتلي العسكريين اللبنانيين الذين اختطفهم التنظيم، من دون محاسبة.

صورة المقارنة واضحة بعد هذا الاتفاق، الذي سماه الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، "تحريراً ثانياً" (بعد تحرير معظم جنوبي لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000)، بين ضحكة المقاتل من "داعش" الذي يجلس في المقعد الأمامي للحافلة التي نقلته إلى الداخل السوري، وبين مشهد إغماء عدد من أهالي العسكريين اللبنانيين الذين هالهم التعاطي غير المسؤول من الدولة مع هذا الملف وهالهم أيضاً مشهد مغادرة قاتلي أبنائهم. لكن هذه المأساة المُضاعفة لم تُغير من واقع الصراع السياسي في لبنان، مع استعادة مُختلف القوى للخطاب الذي سبق مرحلة التوافق السياسي نهاية العام الماضي، وانتخاب ميشال عون رئيساً مُقابل عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة.

كما عاد تصريح رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله البرلمانية) محمد رعد، الذي قال عام 2014 إن "الخضوع لمنطق المقايضة والمبادلة يُسقط كل ما لدينا من هيبة للدولة والمؤسسة العسكرية ويُلغي القضاء اللبناني وهو أمر لا يمكن أن يتقبله عاقل". كان هذا موقف "حزب الله" عندما تم طرح إجراء مفاوضات مع تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" لإطلاق سراح العسكريين اللبنانيين الذين تم خطفهم عام 2014 من بلدة عرسال الحدودية. ولكن ثلاثة أعوام فقط كانت كافية للحزب كي يُحلل لنفسه ما حرّمه على السلطات اللبنانية التي بقيت عاجزة عن إقرار سياسة موحدة للتعامل مع ملف العسكريين المخطوفين. وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى ذبح 4 عسكريين من قبل التنظيمين خلال التفاوض، قبل أن يتم الإعلان عن تسلم جثامين 8 عسكريين كانوا مخطوفين لدى "داعش". تخلل تلك المدة نجاح وساطتين محلية وإقليمية في إطلاق سراح العسكريين المخطوفين لدى "النصرة"، ولم يشفع نجاح المحاولتين في تليين موقف "حزب الله" الذي بدا واضحاً في رفض التفاوض الحكومي. ولم تقتصر الازدواجية على الاتفاق الذي أُنجز مع "داعش" أخيراً، بل شهد عام 2015 استعادة الحزب لأحد مقاتليه الأسرى لدى أحد فصائل "الجيش السوري الحر" في منطقة القلمون، في عز الرفض السياسي للتفاوض بشأن العسكريين.


"إعادة تشكّل المحورين"
واليوم تعود أدبيات فريقي "8 و14 آذار" اللبنانيين للظهور بعد أشهر على ذوبان التكتلين السياسيين في موجة التسوية التي صاغها رئيس الحكومة سعد الحريري، مع الحليف الأبرز لـ"حزب الله" في الداخل اللبناني، رئيس الجمهورية ميشال عون. ولم تُساهم إجازة عيد الأضحى في تبريد المواقف السياسية التي شهدت تصعيداً بالتزامن مع تغريدة لوزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، قال فيها إن "ما يفعله حزب الشيطان من جرائم لاإنسانية في أمّتنا سوف تنعكس (آثاره) على لبنان حتماً، ويجب على اللبنانيين الاختيار معه أو ضده". وأضاف أن "دماء العرب غاليةً". وهذا ما استدعى رداً حاد اللهجة من عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب نواف الموسوي، اتهم فيه السعودية بارتكاب مجازر في اليمن، وأعلن عن "رفض العلاقة مع النظام السعودي الجائر المطعون في شرعيته، والتي لم يستمدها لا من شرعية شعبية ولا من شرعية دستورية"، وفق تعبير الموسوي. وهذا التصعيد يأتي رداً على موقف الحريري الذي أعلن رفض محاولة "حزب الله" إعادة تطبيع العلاقات السياسية بين لبنان وبين النظام السوري، علماً بأن مجريات المعارك الحدودية التي خيضت على الحدود بين البلدين ومعها جولات التفاوض المُتعددة التي قادها المدير العام لجهاز الأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، أثبتت أن التنسيق قائم بين الأجهزة الأمنية اللبنانية و"حزب الله" وأجهزة النظام السوري.

وفي ما يشبه جردة حساب لكل الأحداث التي تجاوزها "حزب الله" لصالح التسويات السياسية التي أمّنت الشرعية الرسمية لسلاحه، هاجم الموسوي أيضاً رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، واتهمه بغض النظر عن مغادرة قائد تنظيم "فتح الشام" شاكر العبسي، لمخيم نهر البارد شمالي لبنان خلال المعركة التي قادها سليمان من موقعه كقائد للجيش ضد التنظيم عام 2007.

وفي حين غاب رئيس الحكومة عن دائرة المواقف والتصريحات، برزت مواقف لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وللمكتب السياسي لـ"حزب الكتائب"، تناولت ملف التفاوض مع "داعش" وتداعياته، وموقف لعضو كتلة "المستقبل" النائب عقاب صقر، المقرب من الحريري، علق فيه على الصفقة مع "داعش"، منتقداً تهجم "حزب الله" على السعودية.

وسجّل جعجع موقفه بالتزامن مع استقبال وزير الدفاع اللبناني السابق، سمير مقبل، الذي تم خطف العسكريين خلال توليه للمسؤولية الرسمية، وهو ما يعني في العرف اللبناني منح جعجع غطاءً سياسياً لمُقبل الذي يواصل إدارة أعماله في لبنان والخارج بشكل طبيعي بعد انتهاء ولاية حكومة الرئيس تمام سلام. وشدد جعجع على "تأييد أي تحقيق في قضية العسكريين المفقودين"، ولكنه اشترط أن "يبدأ أي تحقيق من الفصل الأخير لنرى من عمل على تهريب داعش، فالبعض يقولون إنهم أجروا صفقة مع داعش ليعرفوا مصير العسكريين المخطوفين، ولكن كل العالم يعرف أن هؤلاء العسكريين المخطوفين كانوا مع داعش ومحاصرين وبالتالي لو أطبق الجيش عليهم كان سيعرف مصيرهم سواء كانوا أحياء أو شهداء، لذا كان يكفي الإطباق على داعش لمعرفة مصير العسكريين"، بحسب جعجع.

وأعرب المكتب السياسي لحزب "الكتائب" عن "سخطه الشديد لتقاعس السلطة عن اتخاذ الاجراءات الكفيلة باعتقال الإرهابيين وإحالتهم على القضاء المختص، وهي بدلاً من ذلك انصاعت لصفقة حاكها حزب الله والنظام السوري خارج الحدود، وقضت بخروج الإرهابيين سالمين، مفرطةً بذلك بالإنجاز العسكري الذي حققه الجيش بتحرير جرود بلدات الفاكهة ورأس بعلبك والقاع، وممعنةً في ضرب المرجعية السيادية للدولة اللبنانية".

وأعتبر النائب عقاب صقر أن "حزب الله"، بدلاً من "معالجة فضيحة بيان الدعوة إلى حماية مقاتلي وعائلات داعش في باصاته المكيفة"، بعدما هدد "التحالف الدولي" باستهداف القافلة التي تقلهم إلى الحدود العراقية، فإنه "يذهب عبر جماعاته وبعض نوابه إلى هجوم مرتجل على المملكة العربية السعودية، بما يتنافى مع أبسط مقومات المصلحة الوطنية، ويرفع وتيرة التشنج تجاه الخليج"، بحسب بيان صادر عن النائب اللبناني. وفي هذا السياق، أضاف صقر "لذلك وجب علينا أن نعود إلى الأساس الذي يحاول حزب الله القفز عنه والتستر عليه بتصريحات نارية ظاهرها سياسي وجوهرها التغطية على السؤال المركزي: ما السبب خلف تصميم الحزب على حماية داعش حتى خارج أراضي سيطرة نظام (بشار) الأسد؟ أي خارج حدود الاتفاق المشؤوم معها؟ وهل بات حزب الله يعتمد سياسة تقديم خدمات الصيانة ما بعد الصفقة"؟ ورأى صقر أن "جواب البعض بأن السبب هو التزام بالاتفاق والعهد، لا يقنع عاقلاً أو طفلاً، لأن حصار إرهابيي داعش تم، كما ذكر بيان الحزب نفسه، خارج أراضي النظام السوري، أي خارج إطار اتفاق محور الممانعة مع عصابة أبو السوس"، على حد تعبيره. وأكد أن "الرأي العام اللبناني والسوري والعراقي بخاصة، وعموم العرب، ينتظر إجابة عملية شافية من حزب الله، لأن الخطب جلل"، وفق قوله.

ومع تعبئة مُختلف الأحزاب اللبنانية لجماهيرها على خلفية معارك الجرود، ينعكس هذا الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي النقاشات اليومية للبنانيين الذين يجدون أنفسهم مُنقسمين مُجدداً حول الملف السوري، مع فارق أساسي وهو توسع هيمنة "حزب الله" على القرار الرسمي في لبنان بعد قتاله على الحدود وإنجاز التسويات بمعزل عن القرار الرسمي الضعيف.
المساهمون