تتزين بالإكسسوارات الرخيصة وتحرص على وضع طلاء الأظافر، قبل أن تخرج لبيع المناديل الورقية في شوارع مدينة غازي عنتاب التركية. هي زينة (8 أعوام)، طفلة سورية هربت وعائلتها من لهيب حلب. تجول في شوارع وحارات المدينة الحدودية مع سورية. تجلس حين تتعب، قبل أن تعود لتنادي على مناديلها.
تنتشر ظاهرة التسوّل والعمالة بين الأطفال في المدينة بشكل كبير، وغالباً ما تزداد مع اقتراب العام الدراسي. يترك عدد كبير من الأطفال المدارس ويقصدوا الحدائق للتسوّل أو ورش البناء، بعدما تضيق بهم الحال. ويؤكد هنا أحد المدرّسين أنه مع بداية العام الدراسي، يمتلئ الصف بنحو 45 تلميذاً، ليتناقص العدد وبلاغ في نهاية العام 30 فقط بسبب العمالة والتسوّل.
تشكو زينة: "لا نملك نقوداً للذهاب إلى المدرسة". تضيف مشيرة إلى قدميها، "أنظري، لا أرتدي حذاء. لا نملك ثمنه. وما أجنيه لا يكفي لسدّ احتياجاتنا". لا تعلم الطفلة وعائلتها أن مدارس سورية كثيرة مجانية وشبه مجانية، فتحت في تركيا. كذلك، لا تعلم بقرار وزارة التربية التركية، الذي ينص على معاملة التلميذ السوري كالتركي.
في السياق، يوضح القيّمون على وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة السورية المؤقتة لـ "العربي الجديد"، أن مدارس السوريين مجانية تماماً، مشيرين إلى محاسبة تلك التي تطلب المال. يضيف: "سنقفل المدارس الخاصة بشكل نهائي، إذ إنها تنشط خارج قانون العمل التركي". لكن أولياء أمور يشيرون إلى أن بعض المدارس ما زالت تطلب أقساطاً وإن كانت رمزية، بحجة غياب الدعم وغيره. وتشير أميمة إلى أن المدرسة طلبت 90 ليرة تركية (نحو 60 دولاراً أميركياً) عند تسجيل ابنها، وكان ذلك شرطاً إجبارياً. تضيف أن عائلات كثيرة اعترضت، خصوصاً تلك التي لديها أكثر من طفل، "لكن ما في اليد حيلة". وتلفت أميمة إلى أن النقل يعدّ أحد أبرز المشاكل التي يعاني منها الأهالي، إذ إن بدله مرتفع. وتقول: "في العام الماضي، سجّلت ابني في إحدى مدارس مدينة غازي عنتاب. في الفصل الأول كان بدل المواصلات 50 ليرة (نحو 30 دولاراً)".
تجدر الإشارة إلى أن بعض المدارس هي عبارة عن بيوت مستأجرة، بالإضافة إلى المدارس التركية التي تفتح أبوابها بدوام مسائي.
من جهة أخرى، يؤكد آخرون أن المدارس الخاصة ما زالت تنشط في تركيا. بالنسبة إلى مدرّس الرياضيات أحمد البني، هي "مشروع تجاري أكثر منها مؤسسة تعليمية، وقد وصل الأمر بالبعض إلى طلب ألف دولار". بدورها، تقول لجين (تلميذة ثانوي) إنها عندما لجأت قبل عامين إلى مدينة أنطاكيا التركية، لم تكن تعرف أن ثمة مدارس للتلاميذ السوريين هناك. في البداية، بقيت أشهراً من دون دراسة. وتخبر أن "في العام الماضي، درست المنهاج الليبي في مدرسة تابعة لهيئة العلم (منظمة مدنية داعمة للتعليم في تركيا). واليوم، نحن على أبواب السنة الدراسية الجديدة، ولم نقدّم امتحاناتنا. لا أحد يرد علينا". إلى ذلك، لم تعلم لجين أيضاً أن وزارة التعليم في الحكومة التركية قرّرت إيقاف اعتماد الشهادة الليبية كمؤهل لدخول الجامعات التركية.
اليوم، يدرس التلاميذ المنهاج السوري المعدّل من قبل الحكومة المؤقتة التي حذفت منه جميع الدروس والصور والعبارات المتعلقة بالنظام السوري وحزب البعث بالإضافة إلى مادة القومية. كذلك، غيّرت بعض المصطلحات التاريخية. وعلى سبيل المثال، صار الاحتلال أو الانتداب العثماني فتوحات عثمانية.
يقول المسؤول في وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة المؤقتة إبراهيم الحسن لـ "العربي الجديد"، إن "النظام السوري أظهر الأتراك على أنهم أعداء لنا، وهذا مخالف للحقيقة. لقد اكتشفنا العدالة". وبحسب إحصائيات الوزارة، فإن عدد التلاميذ السوريين في تركيا وصل إلى 600 ألف تلميذ، منهم 250 ألف داخل المدارس السورية التي يشرف عليها منسّق تركي. يتابع: "تضاعف عدد المدارس السورية في تركيا منذ عام 2012. وفي مدينة غازي عنتاب وحدها، ثمّة 41 مدرسة للسوريين، بعدما كانت ثمّة مدرستان فقط".
إلى ذلك، يقول أحد مدرّسي اللغة العربية، فضّل عدم الكشف عن هويّته لـ "العربي الجديد"، إن "بعض المدارس وخصوصاً في المخيمات، تملأ أذهان الأطفال بالمواضيع الدينية". يضيف أن ثمّة مدارس مدعومة وأخرى لا تعطي رواتب للموظفين، لافتاً إلى أن هذه الفروقات تنعكس على التلاميذ بشكل مباشر. ويلفت إلى مشكلة أخرى تتمثل في "انخفاض رواتب المدرّسين واكتظاظ غرف الصفوف، لدرجة أنها تكاد لا تستوعب أعداد التلاميذ الهائلة".
اقرأ أيضاً: السوريّون في أنطاكيا يُسقطون التعليم من أولوياتهم