قليل من يحتفي بشباب الفلاسفة كما يجري الاحتفاء بشباب الفنانين والكتّاب والشعراء، وهؤلاء إذا لم يحتفِ بشبابهم أحد، فهم من يحتفون بذلك، مطوّعين القصيدة أو الرواية أو اللوحة ليقدّموا صورة عن شبابهم.
أما مستخدمو الفكر، فإن وسيلة تواصلهم هي خطاب يقتضي منهم انضباطاً ودقة ومعرفة تراكمية ضمن تاريخ المجال الذي يشتغلون فيه. من هنا، غالباً ما يظِنّون بالكلمة الأولى فتتأخّر، فلا ينطقون إلا إذا شعروا بأنهم بلغوا مرحلة النضج.
لعلنا، في ما عدا ماركس (بفضل تحرّكه السياسي) وكيركغارد المنكفئ على نفسه، لا نحمل صورة كاملة عن شباب الفلاسفة، وحتى أننا من ندرة وجود هذه الصورة نصنّف نيتشه شاباً أبدياً (رحل عن 56 عاماً) وكذلك فيتغنشتاين (عن 62 عاماً) أو شوبنهاور (عن 72 عاماً) وغيرهم.
في أدبيات الفلسفة، ثمة مثلٌ يقول "كانط لم يكن أبداً شاباً"، عبارة صاغ منها المفكر الفرنسي أوليفييه راي عنواناً لبحث "الأنا الأعلى لم يكن أبداً شاباً".
العبارة الثانية تضيء الأولى، فهذا العقل/ الضمير يتعالى من أجل أن يصعد أعلى من الأسوار التي تحجب الحقائق، ثم لا يتكلم إلا ضمن صياغاته الصارمة، فيصعب تخيّله في صورة شاب، وحتى لو توفّرت صور عن شبابه فقد تراكمت فوقها صور أكثر عن نضجه حتى طمرتها تحتها. ألا يلتقي ذلك مع حديث عن عُمر النبوّة؟