لا جنّة عدن للغزاة

23 اغسطس 2019
+ الخط -
الآن، وقد بات اللعب على المكشوف، وكشفت أبوظبي عن أطماعها في اليمن، ما عاد مقبولاً من أحد الزعم أن فزعتها كانت لدعم الحليف السعودي في حربه على الحوثيين، أو لدعم استعادة الشرعية وإعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى قصره. خلال العامين الأخيرين، من حربٍ تدخل عامها الخامس، حاولت الإمارات، بقواتها البرّية المحمية جواً بالطيران السعودي، والمؤازرة بقوات مرتزقةٍ استوردها التحالف من أفريقيا وأميركا اللاتينية، حاولت احتلال ما أمكن من جغرافيا اليمن، لكن هذه المحاولات فشلت على أبواب صنعاء، وسقطت على أطراف سقطرى، ولم يتحقق لها كثير من السيطرة، حتى في مأرب والضالع وأبين وغيرها من المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية، أو التشكيلات المسلحة المدعومة من الإمارات.
الآن وقد أخفق التحالف في بسط نفوذه بالقوة المباشرة أو بالوكالة على كامل اليمن الموحد، كشف التحالف المُسمّى تضليلاً بالعربي، عن هدفه الحقيقي من حربٍ سُميت زيفاً إعادة الأمل، ألا وهو تقسيم اليمن إلى حدود ما قبل وحدة شطريه عام 1990، وسقطت كل الشعارات المضللة لحربٍ ظالمة، أعادت اليمن إلى عصور ما قبل الحجر، وقضت على كل حياة فيه. شرع التحالف السعودي الإماراتي في تقسيم هذا البلد، بعد انكشاف عجزه (التحالف) أمام الحوثي الذي طاولت صواريخه أهدافاً في أعماق الأراضي السعودية والإماراتية. وعوضاً عن الحفاظ على وحدة اليمن، وسلامة وحدة ترابه الوطني، كما زعمت الرياض وأبوظبي قبل خمس سنوات، بات اليمن دويلاتٍ، ومناطق نفوذ، وملاذاً للمرتزقة المجنّدين من السلفادور وكولومبيا. وبعد أربع سنوات ونيّف من حرب "إعادة الأمل"، حلّت باليمن وأهله كوارث إنسانية، بكل المقاييس والمعايير، من تفشّي الأوبئة والأمراض، كالكوليرا والدفتيريا، إلى تدمير بنيات البلاد التحتية وسحق مدن وقرى بأكملها. وقد وصف تقرير، صدر عن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة قبل عامين، الحال الذي وصل إليه اليمن وأهله بالقول: "وكأن اليمن اختفى من الوجود".
هذا الوضع الكارثي جعل السعودية الخاسر الأكبر، إذ لم تجن الرياض سوى المتاعب والخسائر العسكرية والاقتصادية، بسبب حرب عبثية كلّفت المملكة عشرات مليارات الريالات، على الرغم من التعتيم على الكلفة الفعلية للحرب، أدت بالمملكة إلى ضائقة اقتصادية غير مسبوقة، إذ بلغ العجز في ميزانية البلاد في العام الماضي نحو 42 مليار ريال. أضف إلى ذلك ما أصاب المملكة من انتقادات دولية، رسمية وشعبية، بسبب الخسائر البشرية التي تخلفها حربٌ تخلفت عن أهدافها المُعلنة، وغرقت في بحور من دماء اليمنيين ودموعهم.
وفي مقابل ذلك، تبدو الإمارات الرابح الأكبر من الحرب، وقد انحرفت برياح "الأمل" إلى حيث تشتهي قوارب مصالحها، فبينما تتحمّل السعودية كل الأوزار السياسية والأخلاقية عن هذه الحرب المُدانة عالمياً، ناهيك عن تحمّلها ضربات عسكرية تهدّد استقرارها الوطني والاقتصادي، انشغلت الإمارات بتمرير أجنداتها الخاصة، وأخذت تمدّ نفوذها في اليمن من عدن في جنوب اليمن مروراً بجزيرة سقطرى التي تحولت إلى مستعمرة عسكرية، وصولاً إلى أقصى الغرب في المخا، وموانئ اليمن ومطاراته والحقول النفطية والغازية في شبوة ومأرب والجوف.
فشلت الحرب العبثية في الحفاظ على اليمن السعيد، وأحالت بحزمها جنان عدن إلى جهنم، لا مكان فيها لأي أمل. وأماطت سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على عدن، وإسقاطها الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، اللثام عن أجندات حلفاء "عاصفة الحزم"، و"إعادة الأمل"، حيث تعمل أبوظبي على تمزيق اليمن مع بسط نفوذها على "اليمن المفيد" خدمة لمصالحها الاقتصادية، وترضى الرياض بفتات يمنٍ ضعيفٍ مُنهك، لا يقوى على تهديد أمنها الوطني. ما جرى في اليمن، في الأيام القليلة الماضية، يُبرهن على أن صانع قرار "عاصفة الحزم" فجر 25 مارس/ آذار 2015 كان عليه قراءة الكثير عن اليمن وتاريخه العصيّ على غزاةٍ سابقين، طمعوا في جنّة عدن فأحرقتهم جهنمها.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.