.. لا تيأس

01 مارس 2015
+ الخط -

تكابد ثقل الاستبداد الجاثم على هذه الأمة، تكابد موتى كرام يتساقطون في فتنة شديدة، تقطع أوصال العرب، تكابد تعليماً متردياً يعلب الأجيال المقبلة، ويميت قلوبها وحسها بالجمال في قاعات الدرس، تكابد رجلاً يدس يديه في أكوام النفايات في صندوق قمامة في الحي، بحثاً عن بقاياك، تكابد شباباً في ربيع العمر، بلا أحلام ولا أهداف ولا مشاريع، يعيشون دور الضحية إلى منتهاه، تكابد عملاً طافحاً بأنصاف الرجال والمتملقين والمتسلقين والانبطاحيين والمشوهين نفسياً ووجودياً، تكابد مجتمعاً لا يرحم العاهرات، ويأتيهن، يسب الخمر ويعاقرها، يسب الشذوذ ويمارسه، في كل مرة يركع لمستبد في خنوع، يؤمن بالله ويؤجل كل أحكامه، حتى إشعار آخر.. تكابد مجتمعاً لا تدري أي ريح أخمدت جذوته. يا من تكابد من أجل البقاء على قيد الصفاء، لا تيأس إن قلباً مكابداً مثل قلبك الجميل لا يليق به غير زهر الأمل.

تستمر في الاعتقاد في تلك الصورة البراقة التي ترسمها في ذهنك عن نفسك كل يوم. أنت ذلك الشاب اللامع الأنيق، صاحب حظ حسن من الثقافة، ولك باع في الأدب والنقد وعلم الاجتماع والفلسفة، وتفك بعض طلاسم المعلوميات، جمعت دبلومات بالجملة، وربما تفوق ملكاتك المكنونة ما تتوقعه من نفسك. في أول اختبار تتكسر هذه الصورة، ويتبخر هذا الإيمان الزائف بالنفس وقدراتها، والعقل ومواهبه، والقلم وصنائعه. لا تمتلك من المزعوم في نفسك، إلا رسوماً ذهنية معتلة. في الواقع، أنت متأخر متعثر راسب فاشل في كل باب من أبواب المعرفة، كنت تخال نفسك بها زعيم.

والآن ماذا؟ تمقت نفسك وتتبرأ من علاتك واستيهاماتك البراقة، تنشطر نفسياً وتتمزق شعورياً، نصفك الأول يود نحر نصفك الثاني. يود التخلص من الفضيحة من الفشل المزري من المأساة التي سببتها له بإفراطك في تقدير مواهبك وملكاتك وشهاداتك.. يا هذا الذي يجري عليك بعض هذا الكلام، اعلم أن لكل جواد كبوة، ولكل صارم نبوة، ولكل عالم هفوة، يا أنتَ لا تيأس إن اليأس خيانة وملاذ الجبناء..

أنتِ شمعة منيرة وضياء، تعمل، لأن الواقع غير المأمول، مع أشخاصٍ، الغالب فيهم الانبطاح والتزلف وموت القيم في معمل نسيج برقعة ممزقة من الوطن العربي الجريح، جثث لحس الفقر والجهل حسها الإنساني، تدب على الأرض بلا روح. هذا حكم المكتوب فيك الآن. تختنق وتجتاحك رغبة قاتلة للبكاء والنحيب، بعض منك يبكي بعضك الآخر. أنتِ، الآن، في ربيع العمر، والعمل وكر كبير للفساد والظلم والتحرش والمكابدة، والخسارة تبدو فادحة، سنة من عمرك تلوح قادمة كضباب كثيف. يا أنتِ سينقشع، وتشرق شمسك ويرفع ضيمك، وينشرح الصدر ويغزوك الأمل من كل جانب، ألا إن للعالمين رباً كريماً. ربي وربك ورب الجائعين.

230F9728-6F81-4406-98CC-A52074E82B47
230F9728-6F81-4406-98CC-A52074E82B47
عصام واعيس (المغرب)
عصام واعيس (المغرب)