لا تفتح هذه الهديّة

22 اغسطس 2016
ترك لهم القرار في هذه المسألة (توبياس شوارتز/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعلّق سلباً ولا إيجاباً في ذلك اليوم، رغم الأسئلة الكثيرة التي انهالت عليه وحاولت أن تستنطقه، والتساؤلات الحشرية التي أرادت أن تسمع رأيه في المسألة.

كان ذلك قبل عشر سنوات، أو ربما أكثر بقليل. يومها كان الأستاذ في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية يحاضر عن موضوع الهديّة التي قد يتلقاها الصحافي خلال عمله. وقد سأله أكثر من طالب وطالبة عن رأيه في هذه المسألة، وهل من المفترض أن يقبلها الصحافي أم يرفضها، فلم يعط رأياً صريحاً في الموضوع. صحيح أنه ربط ما بين الهديّة الثمينة والرشوة وإن بشكل غير مباشر، سواء في مهنة الطلاب المستقبلية أو في غيرها من المهن، غير أنه ترك الجواب الواضح معلّقاً.

قدّم الأستاذ المحاضر العديد من الأمثلة عن المؤتمرات المهمة التي يشارك فيها الصحافيون ويتلقّون الهدايا لمجرّد حضورهم فيها وتغطيتها. سمّى مؤتمراً شهيراً عقد في إحدى المدن العربية وبات تاريخ انعقاده معروفاً على أنه التاريخ المعتمد لإنهاء الحرب الأهلية في دولة عربية أخرى. قال الأستاذ المحاضر، وهو صحافي عتيق أيضاً، إن من بين جميع الصحافيين الذين حضروا المؤتمر، وكانوا بالمئات، اثنين فقط رفضا الحصول على الهدايا التي قدّمت للصحافيين. الأول صحافي تابع لوكالة أنباء عالمية تتبع معايير صارمة مع هذا النوع من التصرّفات، والثاني صحافي تابع لمجلّة محلية عقائدية، تكاد لا تقرأ إلا من مناصري الحزب الذي تتبع له. رفض الأول الهديّة بدافع من هذه المعايير (ربما يكون الرفض متجانساً مع قناعاته أيضاً)، أما رفض الثاني فينطلق حتماً من منبع هذه القناعات.

تعود هذه القصة دائماً إلى البال كلما يدور نقاش حول موضوع الهديّة مع زملاء آخرين في المهنة، وهي مسألة تتكرّر في أكثر من بلد عربي. طبعاً هناك من يرفض الهدايا، ويعتبرها رشوةً تمسّ بالكرامة، لا سيما الثمينة من بينها. وهناك من يقبلها بطيب خاطر. وهناك نوع ثالث ممن يستدرج الآخرين للحصول عليها، معتبراً أن رفضها مسألة يجوز فيها توصيف الغباء.

بالعودة إلى القصة، كان واضحاً أن الأستاذ المحاضر لم يُرِد لطلابه أن يعودوا إلى محاضرة جامعية كي يقرّروا في هذه المسألة. سألهم بدوره عن آرائهم، واستمع إليها، وناقشهم من دون أن يلعب دور الحكم أو دور الواعظ، هو الذي أرادهم أن يعرفوا الكثير من مفاتيح المهنة المستقبلية قبل أن ينغمسوا فيها. لكنّه ترك لهم القرار في هذه المسألة. اكتفى بأن وضع لهم المعادلة، مثل هديّة فوق الطاولة، وترك لهم خيار تمزيق غلافها أو التخلّي عنها.

المساهمون